رمضانُ الله ورمضانُ الناس
شهر رمضان هو شهر القرآن الكريم، وهو الواحة التي تشتاق إليها قلوب المؤمنين وتنتظِرُها بعد أن تُفارقها كل عام لتنعم بما يتجلى فيها من الأنوار والبركات.
وما لها لا تفعل ذلك وهي في هذا الشهر تجد مِنَ اليُسْر في الإقبال على الطاعة ما لا تَجِدُه في سِواه مِنَ الأشهر، يساعدها في ذلك تغيُّراتٍ مرئيةٍ وتغيُّرات خَفيةٍ، أما المرئية فهو في الإقبال مِنَ الناس على ألوان الطاعة إقبالاً غير مُعتاد قبل رمضان ولا مألوف بعده.
في هذا الشهر تتغير الحياة وينكسر روتينها فيختلف نظام النوم واليقظة والدوام والأولويات، فبدلاً مِن ثلاث وجبات في اليومُ يُخْتَصَرُ الطعام إلى وجبتين، وتتقلص ساعات النوم بسبب صلاة التراويح والقيام في آخر الليل والسُّحور.
ومَن كان هاجراً للصلاة أقبل عليها ومَن كان متكاسلاً عن صلاة الجماعة في المسجد نَشِطَ إليها.
ومَن كان هاجراً للقرآن أقْبَلَ عليه يتلوه ويحرِصُ على أن يَخْتِمَه أكثر من مرة.
وفي هذا الشهر تُوصَلُ الأرحام المقطوعة، وتقترب النفوس المُتباعدة، وتسخو النفوس بأداء الزكاة وأنواع الصدقات، ويحرص المسلمون على كَسْبِ الحسنات والامتناع عن المعاصي والسيئات.
وأما التغيُّرات غير المرئية فهذا المَدَدُ من أنوار الملائكة الكرام الذين تَجْذِبُهم مجالسُ الذِّكر وإقبالُ الناس على الطاعات؛
وألوان المَدَد القادمة من نفحات الجنة التي تشتاق لعُمّارها من المؤمنين وتشتاق إلى لقائهم لِتَبْلُغَ الأمور ذِروتها في ليلة الأنوار التي تملأ الآفاق بحضور الملائكة الكرام في ليلة القدر.
شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ مِنَ الهدى والفرقان الشهر الذي يتزوّد فيه المؤمن بالتقوى، وينمو لديه الإحساس بالمراقبة، ويرتقي فيه إلى مرتبة الإحسان، فما الذي يجعله يمتنع عن الطعام والشراب وسائر المُفطرات؟ إنها رقابة الله وإيمانه أنّ الله يعلم السر وأخفى، فشهر رمضان شهر الإحسان: فِعلاً للخير ومراقبةً لله تعالى.
شهر رمضان شهر التطهُّر من الذنوب والتخلُّص ممّا عَلِقَ بالنفس من الخطايا التي لم تُكفِّرها الصلوات الخمس ولا صلاة الجمعة، وذلك ما بيّنه الحديث الشريف: إذ يقول عليه الصلاة والسلام: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما لم تُغْشَ الكبائر».
هذا ما يريده الله من عباده في شهر رمضان وهذا ما حَرَصَ عليه المؤمنون عبر العصور لأنهم رأَوْا شهر رمضان دورةً تدريبية إيمانية يتحقق لهم فيها مراد الله تعالى من فرض الصيام عليهم: التقوى، قال تعالى:)يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون(.
هذا رمضان الله وهكذا أراده لعباده المؤمنين.
فهل رمضان في واقعنا هو هكذا؟
بعض الناس يُجاهدون لكي يكونَ كذلك..
ولكنّ لرمضان عند كثير من الناس صورةً أخرى..
رمضان لدى بعض الناس شهر السهرات "الرمضانية" التي يقومون فيها الليل لا في المساجد بل في الخيم الرمضانية على (أنغام الطَّرَب الأصيل)!!! ويتخلل ذلك أكلات عربية قديمة لا تشتهيها الأنفس إلا في رمضان..
ورمضان لدى مُنتجي المُسلسَلات شهرٌ الجديد منها الذي ينتظره الناس من عامٍ، إلى آخر، وتتنافس في ذلك المحطات الفضائية لتجذِبَ إليها أكبرَ عدد من الجمهور!!!.
لذلك يجتمع شمل كثير من الناس في هذا الشهر متحلِّقين حول التلفاز في صورةٍ غير مألوفة في سواه..
ورمضان شهر العطاء بالفوازير في الصحف والإذاعات وبرامج المسابقات السخيّة التي لا تكاد تخلو منها جريدة أو مجلة أو محطة إذاعة أو تلفاز!!
و لهذا وذاك فرمضان لكثير مِنَ الناس شهرُ الشهوات بدلاً مِن أن يكون شهر الفطام عنها ولا سيّما شهوة الأكل، وأنا لا أحرم حلالاً ولا أدعو الناس إلى الجوع في ليل رمضان ولكن أرى أنّ هناك مبالغةً في أنواع الطعام وإسرافاً في تناوله لدى كثيرٍ من الناس ولا سيّما الحلوى المرتبطة ارتباط تلازم لدى الناس بشهر رمضان..
ولا أدري كيف تنقص الوجبات في هذا الشهر ومع ذلك يزيد وزن كثير مِن الناس..
والسبب معلوم وهو الوجبة التعويضية التي يأكل فيها الإنسان أكثر مما يأكل في الوجبة العادية مع ما تشمله من أنواع العصير والمقبلات والحلويات.
نحن في شهر رمضان أمام نمطين: شهر الله الذي يريد فيه سبحانه وتعالى لعباده التقوى ويَعِدُهم - عليه صياماً وقياماً وإحياءً لليلة القدر - مغفرةَ ذنوب والدخولَ من باب الريّان إلى جنات الرحمن..
ورمضان الناس: رمضان الفلكلوري الذي ارتبط في أذهان بعض الناس بما لا علاقة له بالتقوى والجنة والمغفرة والرضوان، فأيُّ الرمضانين نعيش وأيُّ الرمضانين نختار؟
أسأل الله لنا جميعاً الهداية والسداد والتوفيق إلى نيل الخيرات والبركات وما يؤهلنا بفضل الله ورحمته لدخول الجنات.. آمين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
هل تظنُّون؟!
السنوار... رسالة الرمق الأخير
فلْتَكُنِ العربيّة مادّة وازنة!
من شموس المشرقين.. في تاريخ هذا الدين!
فكُن إيجابيًّا