داعية، مسؤول فرع جمعية الاتحاد الإسلامي في البقاع وعضو هيئة علماء المسلمين في لبنان
كفى يا طنطاوي (5) الفوائد المصرفية: حرام.. حرام.. حرام..
كتب بواسطة يوسف القادري
التاريخ:
فى : المقالات العامة
838 مشاهدة
كفى يا طنطاوي (5) الفوائد المصرفية: حرام.. حرام.. حرام..
لا يكفي "التهويل" لمحاولة الضغط النفسي، والتحدي "أن واحدًا يعطيني (يجيب لي نص) يقول: إن تحديد الأرباح بين المتعاملين حرام".
ورغم أن العلماء ألفوا الكتب في بيان أن الفوائد المصرفية هي الربا المحرم مثل د. القرضاوي والشيخ وهبي سليمان غاوجي وغيرهما، بل لولا أنك حملت لواء تحليل تلك "الفوائد" فشوشت البسطاء و"خدمت" أصحاب الأهواء وضعاف الإيمان من الحكام والمحكومين - لولا ذلك لكانت حُرمتُها وربويتها أوضح من أن تحتاج إلى كلام واستدلال. ولكني لن أخيِّبك في تحدِّيك وادعائِك بأنه لا يوجد "نص لا من القرآن ولا من السنة ولا من أقوال الفقهاء" فإليك نماذج منها:
1. القرآن: وهي الآية نفسها التي فهمتَ منها الإباحة على عكس ما فهم المفسّر الكبير ابن كثير؛ قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) [النساء: 29]، فقال ابن كثير عن معنى "بالباطل": "أي بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية، كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا"، ثم شرح معنى الآية وبين أن معناها: "المَتَاجر 1. المشروعة التي تكون 2. عن تراضٍ من البائع والمشتري: فافعلوها".
فـ "التراضي" وحده غير كاف بل لا بد أن يكون نوع التعامل غير منهي عنه مثل الربا والحيل على الربا التي قد تكون غامضة أو مُشْكلة لدى العوام ولكنها واضحة الحرمة حتى في ظاهر النصوص. وقد جاء قول ابن كثير هذا وكأنه ردّ مباشر على قولك قبل مئات السنين. فإن إعطاء مال على سبيل القرض -وإن سُمِّي بغير اسمه- ليُستردَّ بعد مهلة بزيادة محددة بعد مدة محددة: هو الربا في اللغة وفي العُرف وقتَ نزول القرآن، كما سيتبين بزيادة تأكيد مما يأتي من نصوص السنة وفُهوم الفقهاء التي تحدّى الشيخ طنطاوي أن نجدها.
ولن أطيل هنا الكلام على أن التراضي لا يكفي للإباحة، وإلا لكان الزنا واللواط و"القتل الرحيم" وبيع الخمر والخنزير حلالاً لمجرد التراضي!
كما أنني لن أرد على كل وجه من وجوه الشبه بين الفوائد المصرفية "الربا" وبين المضاربة والشراكة والتوكيل بالتجارة؛ لأن القرآن نفسه بيّن بكل وضوح أنه بوجود نص التحريم وعلته لا عِبْرةَ بوجوه الشبه بين التعامل التجاري المحرم وباقي البيوع المباحة ولو كثرت، قال الله تعالى: ردًّا على كفار قريش الذين طرحوا تلك الشبهة بقولهم: (إنما البيع مثل الربا) فأجاب الله: )وأَحَلَّ الله البيعَ وحَرَّم الربا(.
2. السنة: لن نجد حديثًا ينص على تحريم "الفوائد المصرفية" كما أننا لا نجد حديثًا باسم "البيرة والشامبانيا" رغم أن حرمتها واضحة لوجود علة الإسكار. وقد تنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الحيل فقال: "ليشربن ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها" رواه ابو داود، وفي سنن الدارمي أيضًا: "يسمونها بغير اسمها: يستحلونها".
وكما في القاعدة الفقهية: (العِبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمَباني)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الذهبَ بالذهب إلا سواء بسواء، والفضة بالفضة إلا سواء بسواء، وبيعوا الذهبَ بالفضةِ والفضةَ بالذهب كيف شئتم..." "ولا تبيعوا منها غائبًا بناجز" رواهما البخاري.
فما يُسمى "الفوائد المصرفية" حرام بنص هذا الحديث لأن الإنسان يعطي مالاً (100 جنيه مثلاً) ويأخذ بعد شهر (107 جنيهات مثلاً) فهي ليست "سواء بسواء" كما شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما أنها إعطاءُ حالٍّناجز لأَخْذ الغائب المؤجّل فيما بعد، وهذا منهيّ عنه بنصِّ وصريحِ وعبارةِ الحديث السابق. بغض النظر عن تسمية هذا التعامل المالي هل هو: صَرْف، أو مضاربة، أو وكالة، أو بيع، أو قرض، أو دَين، أو فوائد مصرفية، أو استثمار...؟ أو أيّ اسم آخر قد يخترع له.
3. الفقه: أهم سبب لتحريم الربا ومنها الفوائد المصرفية هو ما تسميه أنت بلغتنا المعاصرة "تحديد الربح" مسبقًا في العقد، وكون هذه الزيادة ليس لها مقابل مقبول شرعًا (فإذا قابلنا تلك الزيادة بالوقت فهو هنا مرفوض كما سبق في الحديث) بل بيانًا لشدة تحريم هذا النوع من الربا الذي يسمَّى "النَّسيئة": (إعطاء مال لأخذه بزيادة بعد فترة). وترهيبًا منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا رِبا إلا في النَّسيئة" رواه البخاري. وكون الزيادة حاصلة رغم أن البدل والمبدل منه مال (نقديّ أو ثمنيّ) من نفس الجنس. وقد عرَّف الإمام السرخسي الحنفي الربا بأنه: "الفضل الخالي عن العوضِ، المشروطُ في العقد" [المبسوط للسرخسي]. فهذا أيضًا من كلام أحد نجوم الفقهاء وكبارهم ويمكنك الرجوع إلى أيّ كتاب من مقررات الأزهر الفقهية التي تعرض البيوع والربا، أو حتى ملفات فتاويك السابقة في أول عهدك بإفتاء الديار المصرية، ألم تكن يومَها أحد "الفقهاء"؟ لقد ختمتها بتسمية نفسك "مفتي جمهورية مصر العربية" ووقَّعتَ: د. محمد طنطاوي، وراجعها إن شئت: سجل 41/124 في 14 رجب 1409 = 20/2/1989. ورغم الوضع "المأساوي" الذي عرضه المستفتي يوسف فهمي حسين كانت فتواك:
يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) البقرة 278 – 279.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبّر بالبُر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلاًُ بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه أحمد والبخاري ومسلم.
وأجمع المسلمون على تحريم الربا، والربا في اصطلاح فقهاء المسلمين هو: زيادة مال في معاوضة مال بمال دون مقابل. وتحريم الربا بهذا المعنى أمر مجمع عليه في كل الشرائع السماوية، لما كان ذلك، وكان إيداع الأموال في البنوك أو إقراضها أو الاقتراض منها بأيّ صورة من الصور مقابل فائدة محددة مقدماً زمناً ومقدراً يعتبر قرضاً بفائدة، وكل قرض بفائدة محددة مقدماً حرام، كانت تلك الفوائد التي تعود على السائل داخلة في نطاق ربا الزيادة المحرم شرعاً بمقتضى النصوص الشرعية.
وننصح كل مسلم بأن يتحرى الطريق الحلال لاستثمار ماله، والبعد عن كل ما فيه شبهة حرام لأنه مسؤول يوم القيامة عن ماله من أين اكتسبه؟ وفِيْمَ أنفقَه؟).
http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/2002/12/article05m.shtml
هل كنتَ تفتري على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين؟ أم كنت تعي ما تقول؟
فإن كانت الفوائد من القرض فالزيادةُ محرَّمة حتى يكون قرضًا حسنًا بعيدًا عن ابتزاز الربا وحتى يحصل به أجر القرض الحسن، "وكل قرض جَرَّ نفعًا فهو ربا". وإن كان بقصد المعاوضة والربح فلا بد من توفر شروط المعاوضات الإسلامية كما في الحديث الذي أورده السرخسي بلفظ: "الذهب بالذهب مِثلاً بمثل، يدًا بيد، الفضل رِبا" وقال عن الحديث إنه: "مشهور تلقته العلماء بالقبول والعمل"، وحكم الليرة بالليرة، والجنيه بالجنيه... مثل الذهب بالذهب طبعًا من باب القياس.
فهل تستجيب لهذه النصوص من القرآن والسنة وكلام الفقهاء؟ وهل تتراجع وتستغفر من قولك هي: حلال.. حلال.. حلال.. اتق الله، فإنها تناقض ادعاءك بأنها "مصالح مرسلة" متروكة لتقدير البشر لأنه لا نص فيها! فها هي النصوص. والعلماء مجمعون على أنها ربا منذ القديم حتى هذه العصور المتأخرة التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشوا الكذب".
وأما مسألة تحديد الربح بالتسعير فهي مغايرة بشكل كبير للفوائد الربوية لأنها ليست مقابلة جنيه بجنيه، أو ليرة بليرة، بل عينيات بأثمان (جنيه أو ليرة) وبالتالي فلا علاقة له أصلاً بالربا الذي منه الفوائد المصرفية ولا حتى بقوله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالذهب". فأرجوك أن تكون دقيقًا في فهمك وعرضك للفقه حتى لا تكون مغالطًا للناس.
ومما يدعو للعجب أيضًا اختراعك فقهًا جديدًا للربا (الفوائد المصرفية) عند خسارة البنوك بأن "يرفع أمره للهيئات القضائية" فلماذا لا يرفع إليها أيضًا عندما يربح البنك أكثر من نسبة الفوائد (الربا)؟!
ثم تدعي بأن تحديد الربح يمنع التخاصم بين الناس، ونحن نعرف أن الشريعة قصدت من أحكام المعاملات المالية "منع المنازعة والخصومة" فلماذا لم يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا "الفن الإصلاحي"؟ إن الفوائد (الربا) هي جريمة اقتصادية ودمار كما يعرفه كل متأمل لنتائجها على المجتمعات فضلاً عن الاقتصاديين المنصفين.
وهل هناك نصوص؟ الفوائد المصرفية حرام.. حرام.. حرام..
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن