قواعد تُبرِّدُ الأكباد عند سماع أخبار أهل الفساد والإفساد
كتب بواسطة بقلم : د.محمد بن موسى الشريف
التاريخ:
فى : المقالات العامة
556 مشاهدة
ظهر الفساد في هذا العصر ظهوراً مؤذياًً عاماً لم يترك جهة إلا وولغ فيها ، فهناك فساد سياسي وإعلامي واقتصادي واجتماعي وأخلاقي ، وكل هذا له أثره الكبير في شيوع اليأس والقنوط عند جمهور كبير من الصالحين والعاملين، ولابد من التذكير بجملة من القواعد مُعِينة على الوقوف أمام هذا الفساد، بل مقاومته وتحطيمه إن شاء الله تعالى:
أولاً:
هذا الفساد الطاغي يصاحبه الأمل الزاهي والمبشرات الكثيرة بقرب التمكين إن شاء الله تعالى، ولهذا حديث طويل جليل لا أجد له مكاناً فسيحاً ها هنا لكنه واقع قائم مشاهد وهو أيضاً مستقبل متوقع إن شاء الله تعالى، وحديث الأمل والمبشرات يُطفئ الحرارة الناشئة من سماع أخبار الفساد، ويُبعد عنّا شبح اليأس والقنوط، فالأمل هو الجزء الأكبر من العمل.
ثانياً:
هؤلاء الفاسدون والمفسدون هم جزء من المعركة الطويلة بين الخير والشر، وهي باقية ما بقيت الأرض -والله أعلم- نعم إن عاقبة هؤلاء الاندحار والهوان لكنهم موجودون باقون على درجات مختلفة من القوة والضعف، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أن الجهاد ماضي إلى يوم القيامة".
ثالثاً:
هؤلاء قد سُلطوا علينا بسبب ذنوبنا ومعاصينا، وبسبب تخاذلنا عن العمل لدين الله ونصرة شريعته، وبسبب قلّة تضحياتنا وقلة بذلنا وعطائنا، بينما هؤلاء يُدعمون من قوى ضخمة داخل العالم الإسلامي وخارجه، وهم يحاربوننا بلا كلل ولا ملل ولا هوادة، بينما نجد أن معظم الصالحين ليس لهم عمل مؤثر قوي، وتضحياتهم وعطاءاتهم تكاد تكون نزراً يسيراً، فلا نلقي بالتبعة إلا على أنفسنا وتفريطنا، ولو كنا أقوياء لخَنَس هؤلاء ولصاروا في مكانهم الذي يستحقونه في مزبلة التاريخ، وفي هذا يقول جلّ من قائل: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد:31] ويعبر عن هذا الفاروق رضي الله عنه أحسن تعبير حين قال: "أعوذ بالله من جلد الفاجر وعجز الثقة".
رابعاً:
هؤلاء الفاسدون في القبضة الإلهية يفعل بهم سبحانه ما يشاء، وهو القادر على مَحْقِهم وإزالتهم بكلمة "كُن" وإنما سلّطهم علينا لِحِكَم كثيرة، منها ما ذكرتُه في الجانب السابق، ومنها ما يعبِّر عنه قوله تعالى: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ) [محمد:4]، فلنفهم هذا فإنه مُعِين لنا في معركتنا الطويلة مع هؤلاء.
خامساً:
إن الأمر لله من قبل ومن بعد، والكون كونه، والخلق خلقه، وهؤلاء هم من جملة القضاء والقدر، ومِن أمْرِ الله تعالى الكوني القدري الذي لا نعترض عليه فيه سبحانه إنما وظيفتنا المُغالبة كما قال عمر رضي الله عنه: "نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله"، فلنُسَلِّم تسليماً له سبحانه، ولا يعني هذا التسليم عدم المغالبة إنما هو أمر في دواخل المؤمنين يصبُّ عليهم السكينة والطمأنينة، وينـزل عليهم برد اليقين، ولقد كان المصطفى الأعظم صلى الله عليه وسلم تنـزل عليه المصائب العظام، والأحداث الجسام فلا تؤثّر في ثباته وقوّته، ولا تزعزع من جدّه واجتهاده، مع تسليم تام ويقين كامل ورضى ليس بعده رضى صلى الله عليه وسلم.
سادساً:
لابد من العمل الجاد في الدعوة إلى الله وتربية الأجيال الناشئة على الإسلام فهذا أعظم عمل موجّه ضد أهل الفساد والإفساد، ولابد أيضاً من الإنكار عليهم بكل ما أوتينا من قوة وبالوسائل الشرعية للإنكار، وإلا نصنع فإننا لا ننتظر إلا غضب الله علينا والعياذ بالله: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) [الأعرف: 165] فقد نجّى الله تعالى مَن أمَرَ ونهى أما من تخاذل ورضي وتابع ووافق فقد أخذه جل جلاله في جملة مَن أخذ مِن الظالمين.
سابعاً:
الدعاء برفع الفساد ودحر المفسدين والفاسدين ، فالدعاء سلاح المؤمن كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وله نتائج جليلة، وهو التجاءٌ إلى الركن الشديد الذي لا يستطيعه المفسدون، ولا يقدر عليه أهل الشر والفساد.
ثامناً:
ألا يرضينا أننا ـ إن شاء الله ـ جند الله، وهؤلاء هم جنود إبليس؟
ألا يفرحنا أننا سببٌ للخير وهم سببٌ لإيقاع الشر والفساد ؟
ألا يبرد أكبادنا أننا - إن شاء الله - نعمل لله تعالى وهم يعملون لإرضاء إبليس وأعوانه مِن الجن والإنس.
ألا يسرّنا أننا - إن شاء الله - جزء من القافلة النورانية الإيمانية التي تضم الأنبياء والصالحين والشهداء والأولياء، وهؤلاء هم جزء من قافلة الشر التي على رأسها إبليس وفيها كل جبار عنيد، وكافر عتيد، وفاسق متهتك، ومفسد بالشر متمسك؟
ألا يرضينا قول الله تعالى: (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ) [النساء:104].
ولا يعني هذا الشماتة بهم فإننا والله نرجو هدايتهم ورجوعهم إلى الحق والصواب لكن هذا كان بياناً للواقع.
تاسعاً:
إن الهمّ الشديد الذي يطرأ على النفوس، والتأثر البالغ مبلغاً عظيماً برؤية أهل الفساد وسماع أخبارهم هذا التأثر وذلك الهمّ جالبان لبُشْريين عظيمتين:
أولاً: إن هذا دالّ على إيمان وصلاح إن شاء الله، فتمعُّر الوجوه عند رؤية المنكرات وسماع أخبارهم هو من جملة درجات الإنكار، ودليل على بقايا الخير في النفوس.
ثانياً: تكفير السيئات، وذلك أنه ما يصيب المسلم من هَمٍّ ولا وَصَب ولا نَصَب إلا كفَّر الله تعالى به جُملة مِن سيئاته إن شاء الله جل جلاله، وذلك هو خبر المعصوم صلى الله عليه وسلم، فماذا نريد بعد هاتَيْن البشارتين، اللهم لك الحمد ولك الشكر.
أخيراً:
إن الله تعالى لن يسألنا عن النتائج وإنما سيسألنا عن العمل والجد والاجتهاد، وسيثيبنا عليه -إن شاء سبحانه- أما النتائج فهي ليست إلى العبيد وليست من شأن العبيد، إنما شأنهم أن يعملوا بصمت وبدون اعتراض، فإن أسعدهم الله بالنتيجة وأسعفهم بها فللّه الحمد والمنّة وإلا يصنع فكم من الصالحين والدعاة والعاملين مات ولم يَرَ نتائج عمله، (للهِ الأمرُ مِن قبلُ ومِن بعدُ، ويومئذٍ يفرحُ المؤمنونَ* بنصْرِ الله، ينصُرُ مَن يشاءُ وهو العزيزُ الرحيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 4-6] والحمد لله أولاً وآخراً، وصل اللهم وسلم على المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه أجمعين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن