داعية، مسؤول فرع جمعية الاتحاد الإسلامي في البقاع وعضو هيئة علماء المسلمين في لبنان
الصحابة في لبنان (8) سُفيان بن مُجيب الأَزْدي الفاتح الثاني لطرابلس ومؤسس قلعتها
كتب بواسطة يوسف القادري
التاريخ:
فى : المقالات العامة
895 مشاهدة
فتح يزيد بن أبي سفيان وأخوه معاوية رضي الله عنهم مُدُنَ لبنان الساحلية نحو سنة 15هـ؛ من صيدا جنوباً إلى بيروت وجبيل والقلمون وعرقة شمالاً، إلا طرابلس؛ فإنه لم يكن يُطمع فيها يومَها لشدة تحصيناتها، كما سبق في حلقات سلسلتنا هذه.
ومَرَّ معنا أيضاً أن البداوي «مَرْج السلسلة» فتحها الصحابي الشاب عبد الله بن جعفررضي الله عنهما.
أما طرابلس فلها أكثر من فاتح؛ فتحها للمرة الأولى القائديوقناسنة 18هـ (1)، ثم أعاد الروم احتلال بعض هذه السواحل في آخر خلافة عمر ابن الخطاب أو أول خلافة عثمان بن عفان. فلما ولّى عثمانُ معاويةَ على الشام رضي الله عنهما، وَجَّهَ معاويةُ سفيانَ بن مُجِيب الأزدي رضي الله عنهما إلى طرابلس لاستعادتها، وكانت ثلاث مدن مجتمعة. فبنى في مَرْج على أميال منها حصنًا سُمِّي «حصن سفيان»، وكان يَبيت كل ليلة في حِصنه ويحصِّن المسلمين فيه ثم يغدو على العدو. وقد حاصرها وقطع الإمداد عن أهلها من البحر والبَر، كما في «فتوح البلدان» للبلاذُري.
ويضيف ابن عساكر في «تاريخ دمشق» تفاصيل تؤكد القصة، نقلها بسنده عن أبي مطيع معاوية بن يحيى الطرابلسي (المتوفَّى بعد 170هـ) عن شيخٍ من أهل طرابلس أن سفيان بن مجيب عَسْكَرَ بجيشه العظيم في مَرْج السلسلة (البداوي) الذي يَبْعد خمسة أميال عن طرابلس في أصل جبل طُربل، فكان يسير إلى طرابلس ليحاصرها ثم يعود إلى معسكره في البداوي، واستمر على ذلك أشهراً إلى أن كتب إليه معاوية يأمره أن يبني له ولأصحابه حصناً يأوي إليه ليلاً ويحاصرهم نهاراً. فاستجاب سفيان فبنى حصناً على بُعد ميلَيْن من طرابلس يُقال له «حصن سفيان»، ثم صار يُسمى في القرن الثاني حصن «كَفْر قدح».
وبناءً على هذا النص التاريخي لأبي المطيع الطرابلسي يؤكد المؤرخ د. عمر تدمري أنّ حصن سفيان هو في مكان قلعة طرابلس المعروفة الآن، فالقلعة تبعد عن طرابلس القديمة (الميناء) ميلَيْن أي 3200 متر(2).
فلما اشتد عليهم الحصار اجتمعوا في أحد حصون المدينة وكتبوا إلى ملك الروم «قنسطانز الثاني» يسألونه أن يُمِدّهم أو يبعث إليهم بمراكب يهربون فيها إليه.
فوجّه إليهم مراكبَ كثيرة فركبوها ليلاً وهربوا. فلما أصبح سفيان وجد الحصن الذي كانوا فيه خاليًا فدخله، وكتب بخبر الفتح إلى معاوية. ثم إن عبد الملك بناه بعدُ وحصّنه؛ وهو الذي فيه الميناء اليوم.
وكان المسلمون كلما فتحوا مدينة ظاهرة أو ساحلية أنزلوا فيها من المرابطين المسلمين قدرَ مَن يُحتاج إليه، فإن تعرّض شيء منها لخطر مِن العدو وجّهوا إليها الإمداد. وكان معاوية يوجه في كل عام إلى طرابلس جماعة كثيفة من الجند ويولّيها أميراً (عاملاً)، فإذا هاج البحر في الشتاء رجع أكثرهم وبقي الأمير مع جماعة يسيرة منهم(3).
فماذا تعرفون عن سفيان بن مُجيب؟
إنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أزديّ شاميّ. وصلَنا عنه حديث نبوي واحد. وقد تزوج حفصة بنت أمية بن حرب، وهي ابنة عم معاوية. وهو قائد الفتح الثاني لطرابلس ومؤسِّس قلعتها، أول حصن بُني في الفتوحات الإسلامية. ووَلِي قضاء بعلبك. وقد ألقى القبض على بعض قتَلة الخليفة عثمان رضي الله عنه مثل عبد الرحمن بن عُدَيس، وأودعه سجن بعلبك. واستمر على قضاء بعلبك إلى أن توفي في حدود سنة 50هـ.
وحول النظام الإداري المعتمد من الدولة لمدينة طرابلس يومها يقول د. تدمري: «إنّ الأمويين اعتمدوا تنظيماً إدارياً للمدن اللبنانية يقضي بوجود عامل والٍ لكل مدينة، وهؤلاء العمال يتبعون الخليفة في دمشق مباشرة. وتمتعت المدن الساحلية بوجود: 1. عامل للمدينة 2. وأمير للبحر، وهذا ما نراه في طرابلس وبيروت وصور»(4).
وهكذا عادت طرابلس الفيحاء إلى عدالة الإسلام محررة من ظلم المحتل وأطماعه لتبدأ مسيرة النور والعلم والحضارة والرباط. وقد اقترح د. عمر تدمري إطلاق اسم «سفيان بن مُجيب الأزدي» رضي الله عنه على الشارع المحاذي لقلعة طرابلس فاستجابت بلدية المدينة لذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
· هوامش:
1 . الواقدي، فتوح الشام، ما بعد ص 419.
2. عمر تدمري، الصحابة في لبنان، ص 60.
3. البلاذُري، فتوح البلدان، من ص126 إلى 128، مكتبة مشكاة الإسلامية.
4. عمر تدمري، لبنان من الفتح الإسلامي حتى سقوط الدولة الأموية، ص 218، طرابلس، جروس برس، ط1/1410هـ - 1990م.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن