حياة القلب
أيّتها القارئات والقرّاء الكرام: إنّ الدنيا حُلُم، وإنّ الآخرة يقظة، والمتوسّط بينهما الموت، ونحن في أضغاثِ أحلام، ودمتم في رعاية الله...
تمهّلوا من فضلكم... ولا تتشاءموا كحال كثيرين ممن ترتعد قلوبهم خوفاً كلّما ذُكِر الموت... وأعطوني فرصةً لأبيّن لكم لِمَ قدّمتُ بهذه «المقطوعة الرقيقة»...
أوّلاً: هي نصُّ رسالة وردت في كتاب الإحياء عن رجلٍ يَعِظُ أخاه ويذكِّره بحقيقة الدنيا، وثانياً: استفتحتُ بها باعتبارها خلاصة الخلاصة، وما قلَّ وكفى خيرٌ مما كَثُر وألهى...
فكل يومٍ يختم الناس رُزمة من أعمارهم بخاتَم «منتهي الصّلاحية»، ويلقونها في مستودع التاريخ، ثمّ يقفون على ميناء الحياة متهيِّئين لاستقبال رزمةٍ جديدة، لكنّهم لا ينتبهون إلى أن المجموعة الواصلةَ حديثاً قد نُقِشَ عليها عبارة: «غير مضمون»!!
نعم، «غير مضمون»... فَمَن مِنَ المستلمين يعرفُ متى سيُوقف عن عمله، ويُسْحَب من وظيفته، ويُصرَف من حياته، ويُساق إلى «حفرة» الانتظار (القبر) مع المسافرين، حتى وإن لم يستكمل بعد برنامجه الحافل الذي سيبدو له آنذاك وكأنّه حُلُم؟!
إننا لَنُعْطَى العطيّات، وتوهب لنا الهبات، ويُمَدُّ لنا في الأعمار سنوات؛ لنوظِّفها في إعمارِ دُورِنا الحقيقية بعد الممات؛ فنفرحُ بها وننسى أنّها امتحانات، ونتعامل معها باعتبارها حوافز ومكافآت، وننهمك في صرفها حتى إذا جاء موعد اللقاء، وحَصْحَصَ الحق وآن أوان الوفاء... إذ بالأيام الخالية «خالية»، وبالليالي الماضية «ماضية» (أي قاسية وقاطعة)، وبالسنوات الفائتة «فائتة» (البركة والثواب)!
وبينما نحن غارقون - في بهجة الحلل الجديدة- فيما ينبغي لنا أن نسكبَ على الحُلل المخلوعة مِنْ دموع التندُّم والأسف، اسمحوا لي أن أوجِّه إليكم هذا السؤال: أكلُّكم تحبّون أن تدخلوا الجنّة؟ لا لأني أتوقع الإجابة، بل لأُسمـِعكم تعليقَ الإمام الحسن البصري عليها: (إذاً، قصّروا من الأمل، وثبّتوا آجالكم بين أبصاركم، واستحيوا من الله حقّ الحياء).
وأزيدكم لتتعجّبوا وتضحكوا - ومن الشرّ ما يُضحك - كما تعجَّب سلمان الفارسي رضي الله عنه من ثلاثٍ حتى ضحك:
«مِنْ مُؤمِّل الدنيا والموت يطلبه، ومِنْ غافلٍ وليس يُغفَل عنه، ومِنْ ضاحكٍ مِلء فيه وهو لا يدري أَساخِطٌ عليه ربُّ العالمين أم راضٍ»...
أخواتي الكريمات وإخواني... إنّ مَن كان رأسُ أمرِه الإسلام، ورأس ماله الأيام، فليحفظ الرأسَ وما وعى والوقتَ مِنَ البِلى، وليعلم أنّ من النباهةِ والذكاء أن يبتعدَ عن مظاهر الابتهاج «باقتراب الموت» (وهذه هي حقيقة انقضاء السنوات)، وينشغل بدل ذلك بالإعداد للميلاد... لا على طريقة مَنْ احتفلوا بميلاد بشرٍ ألَّهوه، بل على الطريقة الإسلامية التوحيدية القرآنية، حيث تولد الروح من جديد بالنور الرباني: (أَوَمن كان ميتاً فأحيَيْناه وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس)، وتحيا بالاستِجابة لله ولرسوله: (استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحْييكم)...
تلك هي الحياة الحقيقية والأمل المنشود... يوم تؤوب القلوب للربِّ المعبود، وتلوذ به وتعوذ... من دنيا تمنعُ خيرَ الآخرة، ومن حياةٍ تمنع خير الممات، ومِن أملٍ يمنع خير العمل.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة