تهرّب .. من الزكاة!!
(إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). سورة التوبة، الآية 21.
دأب أكثر المسلمين الملتزمين بواجبات دينهم على تأدية زكاة أموالهم في شهر رمضان طلبًا لمضاعفة الأجر في الشهر الكريم، فضلاً عن حقيقة أن حسبة الزكاة المفروضة لا تتم وفق السنة الميلادية (الشمسية)، وإنما الهجرية (القمرية)، وهو أمر يتجاهله أو ينساه بعض من يؤدون زكاتهم في نهاية العام الميلادي، والذين ينبغي عليهم أن يأخذوا فارق الأيام في الاعتبار.
في هذا السياق تحضر قضايا كثيرة تستحق التوقف بشكل دائم، والحديث هنا يتعلق بمن يؤدون الزكاة، وليس موجهًا لمن لا يملكون نصابها، أو لمن لا يؤدوها أصلاً، حتى لو كانوا ممن يُظهرون الالتزام الديني بينما يقصّرون في أداء زكاة أموالهم شحًا وبخلاً، وربما ضعفًا في الإيمان.
الجانب الأهم في السياق هو المتعلق بحسبة الزكاة، فيما يتعلق الثاني بمصارفها الأفضل في هذه الأيام، تحديدًا أولئك الذين يبحثون عن الفقراء، ولا يريدون التبرع لمشاريع خيرية أخرى.
في السياق الأول يميل كثيرون إلى تبني عدد من الفتاوى الشاذة من أجل تقليل حسبة الزكاة التي ينبغي أن يؤدوها، وهنا تحضر قضية الأراضي كمثال على ذلك، إذ يذهب هؤلاء إلى اعتبار أنها مما لا تجب فيه الزكاة، وهو خلاف الرأي المجمع عليه، والذي يرى أن الأراضي سواءً أعدت للادخار أم للبيع كعروض تجارة تجب فيها الزكاة سنويا بحسب قيمة السوق (يستثنى من ذلك الأرض المعدة للسكن والزراعة).
هل يعقل بربكم أن تفرض زكاة على بضعة آلاف من الدنانير مدخرة عن إنسان متوسط الحال، فيما يستثنى منها أضعاف، وربما عشرات أضعاف ذلك المبلغ وضع في الأراضي بقصد الادخار أو الاستثمار، وليس لشيء آخر (لنا أن نتخيل حجم المليارات المدخرة في الأراضي في بلاد المسلمين). وحتى الأراضي الموروثة. أليست مالاً تجب فيه الزكاة ما دامت لا تستخدم للسكن والزراعة؟!
هناك الكثير من آليات التهرب يتبعها البعض، ولا ينحصر الأمر في الأراضي، متجاهلين أنهم يتعاملون مع رب عظيم وليس مع دائرة ضريبة الدخل، ومتناسين أن الله يحاسب على النوايا، وأن عليهم أن يستفتوا قلوبهم قبل البحث عن الفتاوى الشاذة التي تقلل ما ينبغي عليهم أن يدفعوه.
يشار هنا إلى أنه كلما كبر مبلغ الزكاة صار إخراجه أكثر صعوبة على النفس، وفي هذا السياق سمعت قصتين عن ثري كويتي وآخر من ديارنا قرّرا التوبة، وعندما حسبت لهما الزكاة غيرا رأيهما لأن المبلغ بالنسبة للأول كان عشرات الملايين، ودون ذلك بالنسبة للثاني!!
الجانب الآخر الذي نحب الإشارة إليه يتعلق بمصارف الزكاة، وهنا يركز أكثر الناس على الأيتام، مع العلم أن اليتيم لا يستحق الزكاة إلا في حال كان فقيرًا، ومنهم من تجب عليه الزكاة، لاسيما إذا كان ماله من النوع النامي.
لا خلاف على أننا إزاء فئة تستحق الاهتمام، ونصوص القرآن والسنة تحث على ذلك، ولكن الفئة الأخرى التي لا تقل أهمية هي تلك المتمثلة في أولئك الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، أعني فئة العمّال والموظفين ذوي الرواتب المحدودة التي لا تسد الحاجة.
أمثال هؤلاء ينبغي أن يلتفت إليهم الناس، وبوسع أهل الزكاة أن ينوعوا في مصارفهم ولا يركزوا على جانب واحد، لاسيما أن هناك مشاريع خيرية كثيرة تستحق أن تدعم، وهي تدخل في باب ما تصح فيه الزكاة بحسب فتاوى أهل العلم الثقات.
تبقى ضرورة الإشارة إلى تلك الإيجابيات التي ترتبت على ظاهرة التدين في مجتمعنا، والتي تشكل الزكاة والصدقات جانبًا مهمًا منها، حيث أسهمت في سد حاجات أناس كثر، ودعم مشاريع لها أهميتها، لاسيما أن هناك من أهل الأغنياء من يتقون الله حق تقاته، ويدفعون ما يجب عليه، بل يزيدون عليه في بعض الأحيان، وهؤلاء يستحقون أن ندعو لهم جميعًا بأن يبارك الله لهم في أموالهم وينقّيها من الحرام، في ذات الوقت الذي ندعو الله أن يخفف عن الفقراء وأن يرزقهم ما يقيهم ذل الحاجة والسؤال.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن