نهاية الولد العبقري!!
كان سيف الإسلام هو الخليفة المنتظر لليبيا. لم نشكّ في ذلك لحظة واحدة. وعندما قال ذات مرة إنه سيعتزل السياسة ولن يتدخل في أي شأن داخلي ليبي (حدث ذلك قبل ثلاثة أعوام تقريبًا)، راهنت عددًا من الأصدقاء الليبيين على أنه محض ترويج للذات في مواجهة “قوى الشد العكسي”، حيث كان بعضهم قد صدّقه، وصدّق أنه يسعى للإصلاح بالفعل.
كثير من المعارضين الليبيين وقعوا في شباك “الولد العبقري”، وقد كانت مهمته ذات بعدين، يتعلق الأول بترتيب أوراقه الداخلية استعدادًا للخلافة أو التوريث بتعبير أدق، وذلك بالتواصل مع قوى المعارضة في الخارج من أجل إعادتها للبلد (ينطبق ذلك على معارضة الداخل الموجودة في السجون) وضمها إلى نشاطه السياسي وغير السياسي، فيما يركز البعد الثاني على إخراج نظام الوالد العزيز من دوائر الإرهاب.
في الحالين كانت الأموال الطائلة هي أداة الولد العبقري، فضلاً عن استغلال الوضع البائس الذي كانت تعيشه قوى المعارضة ورموزها الذين “هرموا” في الخارج وكانوا ينتظرون فرصة للخلاص، فيما كان الشبان الذين حملوا السلاح ضد النظام (الجماعة الليبية المقاتلة) قد وصلوا طريقًا مسدودًا، الأمر الذي فرض عليهم مراجعات انتهت بوساطة خرجوا بعدها من السجون، من دون أن يعني ذلك تشكيكًا في مراجعاتهم التي انطوت على قدر من الإخلاص في تتبع الحق كما رأوه وآمنوا به في ذلك الحين، لكن الأحداث التالية عادت لتؤكد أن السياسة في معظم تجلياتها هي تحقيق مصالح ودرء مفاسد وليست قضايا حدية، بما فيها مسألة الخروج على أنظمة الجور.
عودة للولد العبقري الذي كان يقدم نفسه بوصفه سيد الإصلاح، ليس للداخل فقط، ولكن للخارج أيضًا، وفيما كان بعض الليبيين يصدقون مضطرين هذه اللغة بهذا القدر أو ذاك، إلا أن الغربيين كانوا يتعاملون مع الولد تبعًا لأهداف تجارية بحتة، هم الذين يدركون أنهم إزاء بلد مدجج بالثروات، ولا حاجة بالتالي لانتقاد العقيد ما دام يمنحهم من الصفقات والاستثمارات ما يريدون (شعارهم في ذلك: ليقل ما يريد وليفعل ما نريد)، لاسيما أنه لم يبخل في الدفع من أجل تسوية القضايا العالقة مع دول الغرب مثل قضية لوكربي والطائرة الفرنسية ومقهى لابيل في ألمانيا (حكايات توني بلير معه ومع أبيه نموذج لما كان يجري وراء الكواليس).
هكذا سعى “الولد الشاطر” إلى تقديم صورة أخرى لنظام العقيد، لكنها صورة ما لبثت أن افتضحت بعد الثورة، فقد تأكد أن الولد سر أبيه في الجنون والهلوسة، ورأيناه يتوعد “الجرذان” و”يطزطز” للناتو والليبيين دون أن يرف له جفن، وإن كان مرعوبًا بعض الشيء رغم محاولته افتعال الشجاعة.
والحق أن متابعة أي لقاء صحفي، بالعربية أو بالإنجليزية، لنجل العقيد كانت تكشف مدى ضحالته ومحدودية ثقافته وبؤس حضوره، وتؤكد بالضرورة ضربه بسيف نظام أبيه وثرواته الهائلة، لكن قدراته على التأثير والدفع بلا حساب كانت تغطي غالبًا على ضعفه وركاكته.
تكشف حكاية “الولد العبقري” منظومة كنا بإزاء تطورها في العالم العربي ممثلة في أبناء الزعماء الذين كانوا يضربون بسيوف آبائهم، وبعضهم لو لم يكن نجلاً لزعيم لما تجاوزت أحلامه وظيفة صغيرة في مؤسسة بسيطة، بل ما دون ذلك أحيانًا.
من جمال مبارك إلى سيف الإسلام والساعدي والمعتصم وأبناء العقيد الآخرين الآخرين، إلى أبناء علي عبد الله صالح لا تعثر سوى على أولاد يضربون بسيوف آبائهم، فيما يجدون من حولهم ملأً يقنعونهم بأن الأرحام قد عقمت عن ولادة أمثالهم، ما يدفعهم إلى تصديق ذلك.
هي ظاهرة تكشف عمق الكارثة التي كانت ستحل بدول عربية كثيرة كانت في طور التحول، بل تحولت فعلا إلى مزارع خاصة للزعماء وأبنائهم، لاسيما بعد زواج السلطة والثروة ومؤسسات الأمن القوية، الأمر الذي كان لا بد أن ينتج هذا الربيع العربي كنوع من التمرد على أنظمة أهلكت الحرث والنسل في الداخل، فيما رهنت قرارها وثروات بلادها للخارج من أجل الحفاظ على مكتسباتها في الداخل.
من لاحظ فرحة الليبيين بإلقاء القبض على نجل العقيد لا بد أنه أدرك أي حقد كانوا يختزنونه عليه وعلى أبيه وبقية العائلة. وعمومًا نحمد الله أنهم لم يقتلوه كما فعلوا مع أبيه حتى لا يدخلونا في “كربلائية” جديدة وجدل متجدد حول ما كان وما ينبغي أن يكون، ولعل مثوله في القفص يكون أكثر تأثيرًا من قتله، مع ضرورة التأكيد على عدم تسليمه للمحكمة الجنائية الدولية ومحاكمته من قبل القضاء الليبي.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة