العلاج الدعوي
ولسنا نشك في أنّ "صخب الفِتن" و(العدوانية التى تلتحق بها) يعود بعض سببه إلى حصول حالة إحباط بعد موقف دعوي خاطئ أو غامض غير مشروح, أو إلى رؤية الداعية فرق بين المثاليات التى آمن بها والواقع المتخلف.
والعلاج لذلك يكون مشتقّاً من علاج حالات الاضطراب النفسي العامة للأفراد وهو علاج يتمركز حول المتعالج ويقوم على أنه نتيجة للتناقض بين مفهوم الذات المثالي والواقعي, وهو تناقض ينشأ أثناء سعي الإنسان إلى تحقيق ذاته, وأهم ما يميز هذا النوع من المعالجة النفسية التى أسسها كارل روجرز هو عدم التطفل على المتعالج واقتحام حياته بالنصائح الجاهزة, والتركيز بدلاً من ذلك على احترام كرامة الإنسان وقيمته في سعيه نحو تحقيق ذاته ، وهذا فهم صحيح إلى مدى بعيد, والعلاج الدعوي يبدأ من نقطة لمسة الحنان العاطفية القيادية, واحترام إنسانية وإيمانية كل الدعاة , والإدلاء بشروح تحليلية توضح سبب القصور عن بلوغ الحالة المثالية, وعدم التورط في المبالغة في الوعود المعسولة المجانية ورسم الصور المشرقة التى تخفى العلل الواقعية والسلبيات الجاثمة, وبعض ذلك يكون أيضاً من خلال وجود قدوات تربويين يبذلون المحبة وصوافي معاني الإخاء ويتواضعون.. وبعضه الآخر يكمن في ملازمة المساجد والنمط الإيماني, ثم في ترويج الأدب الإسلامي شعراً ونثراً, وذكر مناقب الدعوة وبطولات التاريخ الإسلامي وجعلهما ضمن المنهج التربوي, وتوفير من يتكلم فيها في الإعلام الدعوي اليومي.
وأما التجرد للكلام السياسي والممارسة التنافسية مع الأحزاب من دون هذه المرطّبات واللّمسات العاطفية, ثم بناء العلاقة بين القيادة والجندية على أساس الصرامة والطاعة المبالغ فيها, وتقليل الشورى: فإنه يوشك أن ينتج الفتن وأشكال الاضطراب النفسى لدى مجموع الدعاة, بل هو حتما سبب قويّ يثير العدوانية, بل يؤدي إلى اضطراب نفسي حتى لدى القياديين, بسبب حياة التوتر ومجابهتهم للتحديات وشبهات التناجي ووساوس الانشقاقات.. بل قد تبلغ الحياة القيادية أن تكون في إنذار دائم وحالة طوارئ تتلوها حالة طوارئ أخرى, فيستهلك الانشداد النفسي ما هنالك من رصيد عاطفي وإيماني, وتتحول الروابط القلبية إلى علاقات ميكانيكية جافة تسبب المرض والإحباط لأقوى الدعاة.
وهذه صراحة نقترفها من أجل تعليم صنعة التحليل, ومُبطل من يحرص على اجتزاء ما ينصر هواه منها ويرتكب العناد.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن