عالم بلا إسلاميين
من الأفضل للإسلاميين أن يختفوا من على وجه الأرض، وقبل اختفائهم عليهم أن يهدموا سائر المساجد والمؤسسات التي بنوها خلال العقود الماضية، بل التي بنيت قبل ذلك أيضًا، والسبب أن وجودهم يسبب حساسية مفرطة وكثيرًا من الزكام والإنفلونزا وارتفاع ضغط الدم والكولسترول لدى قطاع من الحزبيين والطائفيين، فضلا عن السياسيين من سائر الألوان المحافظة وغير المحافظة .
هذا السيل من الهجاء والتشكيك في الإسلاميين لم يعد حكرًا على فريق دون آخر، بمن فيهم من يُتهم الإسلاميون بالعمالة لهم وتمويلهم من دول الخليج، ولك أن تتابع ما يكتبه ويصرح به بعض من اليساريين والقوميين والليبراليين والطائفيين هنا وهناك في طوفان الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب حتى تتأكد من ذلك .
لا حاجة للبحث عن الذرائع، فهي أكثر من الهمِّ على القلب، ومن يتابع سيجد حشدًا من التهم الموجهة للإسلاميين، وقد تعثر بينها على الشيء ونقيضه؛ العمالة للخليج والتآمر عليه في آن، العمالة لأمريكا وعقد الصفقات معها بعد أن ساهموا بقوة في إفشال مشروعها في العراق وأفغانستان، العمالة لإيران وتولي أكبر حرب مذهبية عليها، إقصاء الأقليات وتهديدها، تهديد الاستقرار والأمن الوطني، تهديد الأنظمة، إثارة الفتن، وصولاً إلى قطع رزق بعض التجار بسبب المظاهرات وسط المدن !!
إن ترشحوا وفازوا قيل إنهم يصادرون الثورات ويحتكرون المشهد الوطني، وإن قبلوا بالقليل قيل إنهم يختبئون خلف رموز ليبرالية، وإن تحالفوا مع آخرين قيل إنهم يتكتكون لمصادرة الكعكة السياسية ويستغفلون بعض النشطاء الشعبيين .
إذا قدموا مبادرات لطمأنة القوى الأخرى كما في حالة الإخوان السوريين، قيل إنهم يناورون من أجل الوصول إلى السلطة، وبعد ذلك ينقلبون على وعودهم، وإذا لم يُصرّوا على مسألة “تحكيم الشريعة”، واكتفوا بأن الإسلام دين الدولة كما في الدستور التونسي خشية إحداث انقسام في مجتمع لم يفهم كثير من أبنائه معنى أن تكون الشريعة مصدرًا أساسيًا للدستور، قيل إنهم ينقلبون على برنامجهم من أجل السلطة، ولا تعجب أن يهجوهم تجار لا يؤمنون بدين ولا مبدأ بسبب ذلك .
إذا لم يرشّحوا أحدًا للرئاسة قيل إنهم لا يريدون تحمل المسؤولية، كما في الحالة المصرية، وبالطبع لأنهم لا يملكون برامج لإنقاذ الوضع (يا للبرامج التي كانت مطبقة من قبل!!). وحين رشّحوا قيل إنه يصادرون الحياة السياسية ويصبغونها بلون واحد، ولا تسأل عن التقاط كل كلمة تصدر عنهم من هنا وهناك وإشباعها تحليلاً وتفصيلاً. وهكذا دواليك .
لا مجال تبعًا لذلك إلا أن تأتي صاعقة من السماء تجعلهم كعصف مأكول لكي يرتاح الحكام، ومعهم المحكومون من السادة إياهم. أما رأي الناس وصناديق الاقتراع وكل تلك المنظومة الديمقراطية التي كان بعض القوم يتغنون بها فلا بأس من تجاوزها بعض الوقت حتى يتم التخلص من هذا الصداع المزمن وربما الطاعون المقيت !!
الإسلاميون إذن يدفعون ثمن ثقة الناس بهم، وكل هذا الهجاء الذي يطاردهم إنما يأتي نتاج صعودهم في المشهد السياسي، ولو أصبحوا رقمًا هامشيًا لما تذكّرهم أحد، ولما فكّر القوم إياهم بجبر خاطرهم بالتحالف معهم ومنحهم بعض الفتات .
ماذا يفعل الإسلاميون في ظل هذا المشهد المعقد، ووسط هذه الهجمات التي لا تتوقف عليهم من سائر الأطياف؟ وهي بالمناسبة لا تكتفي بالتيار الإخواني، بل تستهدف الظاهرة الإسلامية برمّتها بحسب الأولويات، ولو اختفى الإسلام السياسي لتركز الهجاء على الآخرين من تيار “من السياسة ترك السياسة”، وبالطبع لأنه “يؤسلِم” المجتمع وينشر “الظلامية”، وهو بُعد لا يفقهه التيار المذكور، وتراه يشارك الآخرين هجومهم على الإسلام السياسي بحسب التعبير السائد، وترى بعض رموزه يترك سائر التيارات المعادية للإسلام ويركز هجماته على الإسلاميين الآخرين .
الإسلاميون لمن شاء الإنصاف ليسوا ملائكة، وهم يخطئون وتصيب بعضهم أمراض السياسة والسلطة والعمل العام، لكنهم في مجموعهم ليسوا شياطين ولا عملاء أيضًا، بل هم قوم يجتهدون في تحري الخير والصواب، ومن يشكك بنوايا هذه الجحافل من الناس ليس سوى موتور أو حاقد لا يريد رؤية الحقيقة .
ثمة فرق بالطبع بين النقد الموضوعي الذي يؤشر على الخلل الذي يأتي نتاج العمل والاجتهاد، وبين التشكيك في النوايا والاتهام بالعمالة لمجموعات بكاملها، إلى جانب إصدار الأحكام القاطعة بحقهم، مثل قول أحدهم إن “الإسلام السياسي العربي لا يستطيع أن يكون مدنيا ولا متنورا”، للأسباب التي رتبها في ذهنه وبثها بين سطوره، والتي تعكس الهوى أكثر من الحقيقة .
ليس أمام الإسلاميين والحالة هذه غير استمرار العمل من أجل خدمة الناس وفق رؤيتهم واجتهادهم، وليكن إيمانهم بوعي الناس وضميرهم كبيرًا. ولو صحَّ أنه وعي محدود وضمير هش يتأثر بذلك السيل من الهجاء لما قالت صناديق الاقتراع ما قالته مرارًا خلال المرحلة الأخيرة، من دون التقليل من أهمية الرد والتوضيح المستمر خشية التأثير على بعض الناس، لاسيما أن كثيرًا من الهجمات لا زال ينطوي على كمّ كبير من الكذب واختلاق الوقائع. أما الأهم فيتمثل في ضرورة التدقيق في المواقف خشية الوقوع في الخلل الذي يؤدي إلى فقدان ثقة الجماهير، مع الانحياز إلى مبدأ الشراكة مع المخلصين من القوى الوطنية والمستقلة حتى يتسنى لهذه الأوطان الخروج من عنق الزجاجة والإقلاع نحو أفق أفضل.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة