إجازة في الإعلام من جامعة بيروت العربية...دبلوم في الإدارة... مديرة تحرير مجلة منبر الداعيات... مشرفة على قسم الطالبات في جمعية المنتدى الطلابي المنبثقة عن جمعية الاتحاد الإسلامي... عضو إدارة القسم النسائي في جمعية الاتحاد الإسلامي... المسؤولة الإعلامية لتجمع اللجان والجمعيات النسائية اللبنانية للدفاع عن الأسرة ممثلة جمعية الاتحاد الإسلامي.
الشباب... والمسؤولية الاجتماعية
للشباب الحصة الأكبر من افتتاحية هذا العدد، ذلك لأن المسؤولية – وإن كانت ملقاة على عاتق كل فرد –منوطة بهم بالدرجة الأولى لأنهم وقود عملية التغيير في المجتمعات، وفي اتخاذهم قرار التنحي تراجعُ الأمة وسببُ تخلّفها... ونحن عندما نقول "شخص مسؤول" نعني بذلك مسؤوليته ذات الأبعاد المختلفة المتصلة به وببيئته وبمجتمعه ثم بأمته.
ولعل الثورات التي انطلقت وامتدت لا تنفكّ عن هذا المعنى: "المسؤولية الاجتماعية"، فلن يقدّم أي من الثائرين التضحيات الجِسام لو لم يستشعر الخطر المُحْدِق وعِظَم المسؤولية في مجابهته... وما زال الباب مفتوحاً أمام الذين لم يحسموا أمرهم بعد وينطلقوا للعمل كلٍّ من موقعه لسدّ الفجوات في بناء الأمة...
وما أروع النماذج التي قدّمها القرآن لتكون من تجليات المسؤولية الاجتماعية...
نموذج للرجل الساعي في الخير:
قال تعالى: )وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ(... ولنركّز معاً على كلمة (يسعى) وما تحمله من معاني بذل هذا الرجل من جهده وأمنه لإدراك قومه من الهلاك، وما تَحَمّله في سبيل ذلك من عذابات بلغت به مرتبة الشهادة: )إنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ(... ولنتأمل شخصية هذا المؤمن الصالح الإيجابية الفاعلة وما تتحلى به من معاني الشعور بالمسؤولية والرحمة والإشفاق وإرادة الخير للناس.
نموذج آخر يقدّم للقضية بُعداً مختلفاً... مؤمن آل فرعون:
(وقالَ رجلٌ مؤمنٌ منْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أتقتلونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وقد جاءكم بالبَيِّناتِ مِن رَبِّكُم وإن يَكُ كاذباً فعليهِ كَذِبُهُ وإن يَكُ صَادقاً يُصِبْكُمْ بعضُ الَّذي يَعِدُكُم إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن هو مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) متوجِّهاً بخطابه العقلاني هذا لفرعون الذي كان يصادر الآراء ويحتكر الحكم لنفسه ملغياً الآخرين مستخفّاً بعقولهم مستعبداً إياهم: (... مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ}، ويتابع مستشعراً عِظم مسؤوليته في نُصرة الحق وفي هداية قومه بكل حُجّة وبرهان: {ويا قومِ ما لِيَ أَدعُوكُمُ إلى النَّجاةِ وتدْعُونَني إلى النَّارِ...)، ويختم خطابه محذِّراً: (فستذْكُرُونَ ما أقولُ لكمْ وأُفَوِّضُ أمري إلى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ).
صورة ثالثة للمسؤولية الاجتماعية قدّمها أصحاب الكهف:
(إنهم فِتيةٌ آمنوا بربّهم وزْدناهم هدى)؛ حيث قادوا عملية التغيير الاجتماعي وساروا عكس التيار، وتحمّلوا العذاب من الطغمة الحاكمة بسبب دعوتهم لدين التوحيد ونبذهم الوثنية التي كان قومهم عليها.
***
ولو أنّ طائفة من ركّاب السفينة لم يتحملوا مسؤوليتهم في الإنقاذ ولم يأخذوا على أيدي شركائهم فيها لغرقوا جميعاً، قال صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ القائِمِ على حُدُودِ الله والواقِعِ فيها كمَثَلِ قومٍ استهَمُوا على سفينةٍ، فأصابَ بعضُهم أعْلاها وبعضُهم أسفَلَها، فكان الذين في أسفَلِها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَن فوقَهُم، فقالوا: لو أنَّنا خرَقْنا في نصيبِنا خرقًا ولم نُؤذِ مَن فوقَنا! فإنْ ترَكُوهم وما أرادوا هلَكُوا جميعًا، وإنْ أخَذُوا على أيدِيهم نجَوْا ونجَوْا جميعًا".
أيها الشباب (فتياناً وفتيات): إن سفينة المجتمع سوف تغرق إن لم تأخذوا زمام المبادرة، فقد حملتْ فوق ما تطيق من: تنحية الدين جانباً، ونبذٍ للقيم، وتخلّف، وتشرذم، وضياع، وفساد يشمل كل جوانب الحياة الفردية والاجتماعية... فالعقاب لن يطال فقط عرّابي الإفساد بل الذين تركوهم وما أرادوا أيضاً: (واتقوا فتنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً).
وإنّ من أهم متطلّبات المسؤولية أيها الشاب: صَقل شخصيتك وتنمية قدراتك، معرفة هدف الحياة وتحديد أهدافك من خلاله، القيام بواجب الاستخلاف وعمارة الأرض، وتوظيف اختصاصك ومهاراتك في خدمة أمتك، التحلي بالمبادرة، واستشعار هموم المسلمين ومعايشة قضاياهم مستحضراً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يُعتبر (مدرسة) في المسؤولية الاجتماعية: "مثَل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى"، العمل في إطارٍ جماعيٍّ يُعينك على طاعة الله، وينمّي فيك الشخصية الاجتماعية ومهارة التعامل مع الآخرين والاستفادة منهم، كما يفتح أمامك مجالات تطوير قدراتك واكتساب المزيد من الخبرات في ميادين مختلفة، وتوطين نفسك على أنّ كل ما تلقاه من تعبٍ ونَصبٍ هو لله ينبغي تحمّله والصبر عليه...
هذا وإن كان الشباب معنيين بالدرجة الأولى بتحمّل مسؤولياتهم تجاه مجتمعهم وأمتهم، إلا أن كل فرد مسلم "مسؤول" بحسب موقعه من المسؤولية...
ومؤسسات المجتمع - وخاصة محاضنه التربوية - مسؤولة عن: تربية هذا الجيل على تحمل مسؤولياته، وتعزيز ثقة أفراده بأنفسهم، وغرس الشعور بالانتماء لأمتهم والاعتزاز بهويتهم الإسلامية في نفوسهم، وإيجاد فرص العمل لهم حتى لا توظَّف طاقاتهم في خدمة مشاريع مضادة للمشروع الإسلامي، والعمل على دمجهم في الأعمال الجماعية، وتدريبهم على مختلف المهارات التي تحسّن من قدراتهم ومن أدائهم وتدفعهم لتجويد أعمالهم، والتعامل معهم بعقليات منفتحة تتناسب مع متطلبات هذا العصر، وإعطائهم مساحات واسعة من حرية التعبير عن آرائهم، والأخذ منها مما لا يتناقض مع الشرع أو المصلحة؛ فهذا ينمّي لديهم ملكة التفكير الحر المنضبط بضوابط الشرع، والقدرة على طرح وجهات نظرهم بجرأة أدبية... وكل ذلك يسير بهم وفق مخطط محكم على درب تحمل مسؤولية نهضة الأمة... يصدر حُبّاً وطوعاً من ذواتهم دون أن يُفرض عليهم، فيستثقلونه...
إن المسؤولية الاجتماعية عملية شاملة ومتكاملة تُسهم في تماسك بنيان المجتمع وتحقيق التوازن فيه، وتعمل على توظيف جميع طاقاته ومقدّراته بما يضمن مشاركة جميع أفراده ويُشعرهم بقيمتهم وبمكانتهم الاجتماعية؛ فيحرص الجميع على المصلحة العامة طالما أنهم يبذلون ويقدمون لتحقيقها، وتَسرّهم رؤية نتائج جهودهم تقدماً وازدهاراً لأمتهم
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن