إيران والمنطقة ما بعد الأسد
في غضون أقل من ثلاثة شهور وجه عدد من الوزراء والمسؤولين الإيرانيين رسالتين للمرشد خامنئي تتعلق بإدارة الشأن الداخلي في ظل أوضاع بالغة الصعوبة على الصعيد المعيشي للإنسان الإيراني، فيما يبدو أنه انتقاد خجول لإدارة أحمدي نجاد التي تعيش عامها الأخير في السلطة.
من المؤكد أن العقوبات الدولية قد ألقت بظلالها على الوضع الإيراني الداخلي، رغم أن السلطة لا زالت تفعل المستحيل من أجل الالتفاف على تلك العقوبات من خلال تهريب النفط بمساعدة دوائر عراقية، فضلا عن الجهود التي تبذل من خلال التجار الإيرانيين في الخليج.
يتزامن ذلك كله مع جهود استثنائية تبذلها السلطات الإيرانية لإسناد نظام بشار الأسد في سوريا، الأمر الذي يكلف الكثير من دون شك، لاسيما أن البعد الاقتصادي يبقى حاضرا إلى حد كبير؛ حيث تضطر إيران إلى ضخ الأموال من أجل الحيلولة دون سقوط النظام، الأمر الذي يضيف أعباءً إضافية على الاقتصاد الإيراني المتعب.
لا خلاف على أن إيران بدعمها الكبير لنظام الأسد إنما تحاول رفع سعرها في سوق التفاوض على مستقبل النظام، ولا يُعتقد أنها لا تزال مقتنعة بإمكانية بقائه إلى زمن طويل، لكنها تجاهد من أجل أن لا يكون سقوطه مدويا بما ينطوي على هزيمة لها من العيار الثقيل.
هي بكل بساطة تسعى لتأمين انتقال سلمي للسلطة لا يهمش العلويين الذين يهيمنون عمليا على المؤسسة العسكرية والأمنية، مع أن هناك من يرى أن نهج التدمير الذي يتبعه بشار الأسد إنما يهدف (بدعم وربما بمقترح إيراني) إلى إنشاء دويلة علوية تكون ركنا آخر لإيران في المنطقة تحول دون امتداد تداعيات سقوطه بشكل قوي على مصالحها في العراق ولبنان، إلى جانب تأمين الطائفة العلوية مما ترى أنه ينتظرها في حال سقوط النظام، مع أن ذلك قد يستخدم في سياق المساومة التالية أيضا.
والحال أن التفكير في الدويلة العلوية إنما هو نوع من العبث لأنها لن تصمد بأي حال مهما ضعفت الدولة المركزية بفعل نهج التدمير المتبع، أما الحديث عن صيغة سياسية تخفف من عبء الهزيمة على إيران، فهو نوع من العبث أيضا لأنها أصبحت العدو الأكبر في وعي السوريين، فضلا عن غالبية من العرب والمسلمين باتوا يقدمون العداء لإيران على العداء لأمريكا.
لا يتوقف الخوف الإيراني عند تداعيات سقوط الأسد، وإنما يتجاوزه إلى مسألة المشروع النووي الذي لا يستجلب العقوبات فحسب، وإنما يستجلب مخاوف من ضربة عسكرية إسرائيلية ستكون تداعياتها كبيرة بصرف النظر عن الردود العسكرية عليها.
إيران في هذا الملف حائرة بين خيارين؛ أولهما استمرار الصمود في مواجهة العقوبات وتحمل تداعياتها الصعبة داخليا، وثانيهما التراجع بما ينطوي عليه من هزيمة سياسية ستضاف إلى الهزيمة المتوقعة في سوريا، والنتيجة أن مشروع التمدد الذي اشتغلت عليه لمدة تزيد على عقدين من الزمان سينتهي إلى هزيمة صعبة، لا سيما أن سقوط الأسد سيتبعه من دون شك تصحيح للوضع السياسي في العراق ولبنان.
السؤال الكبير في هذا السياق هو تأثير ذلك كله على السياق الإيراني الداخلي، إذ لا بد أن يطرح المواطن الإيراني سؤالا كبيرا حول هذا المشروع الذي دفعت فيه إيران أثمانا باهظة وانتهى إلى فشل داخلي وخارجي.
مشاريع التمدد (الإمبريالية وفق التعبير المعروف) ينبغي أن تنتهي بثمار على الدولة صاحبة المشروع ومواطنيها، لأنها ليست للمباهاة فحسب، وحين ينتهي مشروع التمدد الإيراني إلى النهاية إياها فلا بد أن تتحمل القيادة التي تولت كبره كامل المسؤولية.
وفي حين يبدو أن المحافظين يمسكون بزمام الأمور بعد النجاح الكبير في تهميش ما يُعرف بالتيار الإصلاحي، فإن من غير المستبعد أن يفرز الشارع الإيراني قيادته الجديدة التي سترفع الصوت ضد ما يجري وتبشر بربيع إيراني يشبه الربيع العربي.
إذا لم يحدث مثل هذا التحول سلميا من خلال الانتخابات، وهو ما يبدو صعبا بسبب إمساك المحافظين بتلابيب الوضع الداخلي، فإنه سيحدث بثورة شعبية، والنتيجة أن إيران بعد هذه المرحلة لن تكون هي ذاتها قبلها.
إشكالية هذا التطور في المشهد الإيراني هو أنه قد يأتي بتيار لا يجد بعض رموزه حرجا في التحالف مع الأمريكان والصهاينة من أجل المصلحة القومية البحتة، لكنه سيكون في نهاية المطاف مضطرا تحت وطأة التماسك العربي بعد الثورات ومعه الوضع التركي الصاعد، سيكون مضطرا لأن يتوصل لتفاهمات مع المحورين المذكورين. مع أن ذلك سيكون المسار الطبيعي لأي تيار في السلطة مهما كان لونه وشكله، اللهم إلا إذا قبل أن يلعب دور مخلب القط للمصالح الغربية كما كان حال الشاه.
الصراع بين محاور المنطقة الثلاثة لا يخدم غير الغرب الاستعماري المعني بسياسة فرّق تسد، وحين تتواضع إيران بعد التطورات الجديدة سيكون بالإمكان التوصل معها لتفاهمات سياسية بعيدا عن الحشد المذهبي الذي يسود المنطقة.
خلاصة القول هي أن تطورات الربيع العربي، ومن ضمنها الثورة السورية ستكون خيرا على المنطقة، وبالضرورة على فلسطين أكثر من الوضع القديم الذي لم يهدد الكيان الصهيوني وإن حال دون تمدده كما خطط لذلك من خلال مشروع أوسلو وبعد ذلك حرب العراق التي انتهت بهزيمة أمريكية ساهمت في تحجيم نفوذها على نحو أضر وسيضر لاحقا بالمصالح الإسرائيلية.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن