إجازة في الإعلام من جامعة بيروت العربية...دبلوم في الإدارة... مديرة تحرير مجلة منبر الداعيات... مشرفة على قسم الطالبات في جمعية المنتدى الطلابي المنبثقة عن جمعية الاتحاد الإسلامي... عضو إدارة القسم النسائي في جمعية الاتحاد الإسلامي... المسؤولة الإعلامية لتجمع اللجان والجمعيات النسائية اللبنانية للدفاع عن الأسرة ممثلة جمعية الاتحاد الإسلامي.
الهجرة النبوية والتأسيس لدور الدولة في إرساء الأمن
جاءت الهجرة بكلِّ مدلولاتها لترسم للأمة خطَّ سيرها، ولتكون لها الكلمة الفصل في حياة تلك الثُّلة المضطَهَدة الفارّة بدينها، ولتضيف على تاريخ البشرية إضافة غير مسبوقة... لقد كانت المنطَلَق لصياغة المجتمع الجديد الذي حرص رسولنا الكريم على أن يكون مكتمل المقوِّمات، فكان عليه الصلاة السلام أعظم مَن وضع سياسة محكَمة لبناء الدول.
ولعل المتابِع لأولويات الرسول في المجتمع الجديد، يجد أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بتنظيم العلاقات الداخلية بين أبناء المجتمع لأهدافٍ كثيرة، منها تحقيق الأمن في المجتمع الجديد: من جهةٍ أولى بين المسلمين أنفسهم من خلال المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ومن خلال إنهاء حالة الاقتتال الداخلي بين الأوس والخزرج، ومن جهةٍ ثانية بين المسلمين وغيرهم من خلال كتابة وثيقة سياسية وادع فيها النبي عليه السلام اليهود في المدينة وعاهدهم وتركهم ودينَهم وأموالَهم، وشرَط لهم واشترط عليهم.
فأَنْ يضع النبي عليه الصلاة والسلام هذَيْن الاعتبارَيْن في أولويات تشكيل المجتمع المسلم، فهذا يشير إلى أنه لا استقرار لأي مجتمع إنساني دون توفر عنصرَيْ الأمن الاجتماعي والعلاقات الداخلية الجيدة بين أبناء المجتمع بمختلف أطيافه، وذلك لأسباب كثيرة أبرزها: حماية الجبهة الداخلية وتقويتها وتحصينها حتى تستطيع بعد ذلك أن تجابه الأعداء، وبالتالي فإن في انعدامهما إضعافاً للبنية الداخلية وتقويضاً لدعائمها بحيث يسهل الانقضاض عليها وتدميرها، بل تدمير كل مقوِّم إنساني فيها.
من هنا نجد أن الأمة الإسلامية ما أُتِيت يوماً من قِبَلها إلا نتيجة دخول أبنائها في حروبٍ داخلية طاحنة، ولطالما راهن الأعداء على ذلك، وما مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ثم الإمام عليّ بن أبي طالب ثم ابنه الحُسين رضي الله عنهم أجمعين إلا أحد إفرازات الفُرقة والاقتتال بين المسلمين بكيْد وتآمر فئة خارجية.
فأعداء هذه الأمة منذ الفتنة الأولى وما تعاقب بعدها من قرون انطلقوا في تعاطيهم مع المسلمين من قاعدة: فرِّق تسُد، وعلى هذه القاعدة تسير دولة اليهود الغاصبة وأمريكا وحلفاؤها في تاريخنا المعاصر، بل إنّ بث الفِتن والفُرقة بين المسلمين استراتيجية أمريكية – صهيونية تَصوغ سياستها الخارجية؛ حيث تسعى لتعميم حالة الاقتتال الداخلي في جميع البلدان وفي إيقاع البلاد في فوضى أمنية وسياسية واجتماعية واقتصادية وفق نظرية «الفوضى الخلاّقة» أو «سياسة اللااستقرار» التي «تشلّ وتفكك وتفتت الخصم» ويتبنّاها المحافظون الجدد في الإدارة الأمريكية ... يقول الكاتب سبنغلر: «... لقد ناضلتُ لسنوات قائلاً إن الولايات المتحدة في الأخير سوف تتبنى مذهب (الحروب الخالدة)».
نجد مفاعيل هذا الأمر في: أفغانستان: بين غالبية الشعب الأفغاني وحكومة قرضاي، وفي الصومال: بين المحاكم الإسلامية والحكومة المؤقتة، وفي العراق: بين المجاهدين والحكومة العميلة والميلشيات التابعة لها، وفي فلسطين بين السلطة وحكومة حماس، أما في لبنان فالجميع يتصارع مع الجميع، ونرجو ألاّ يخرج ذلك عن إطاره السياسي وما يصاحبه من مناوشات هنا أو هناك.
ولو لم تجد الإدارة الأمريكية في البلاد الإسلامية أرضية خِصبة واستجابة لإرادتها من قِبَل أطراف مختلفة على امتداد رقعة العالم الإسلامي لما تمادت في سياستها هذه ولما نجحت في تكريس الفُرقة وتثبيتها.
ومعلومٌ ما للحروب الداخلية من انعكاسات خطيرة على المجتمع ... يتجلى ذلك في:
- إلهاء أطراف النزاع من أبناء البلد الواحد بعضهم ببعض؛ حتى عن قتال العدو المشترك.
- إنهاك القوى واستنزاف طاقات الشباب بحروب فئوية ضيقة؛ فلا يساهم في بناء مجتمعه وبلده وفي تحقيق أهدافه.
- بث روح اليأس في نفوس الشباب، فلا تترك له هامش التفكير الإيجابي البنّاء وسط جملة من السلبيات والتناقضات والمؤامرات التي يعيشها.
- إفقار الشعوب: فكلفة الحرب باهظة يدفع الشعب فاتورتها دائماً، وتوقع البلاد في عجز وفي ديون...
- الدوران في حلقة لا تنتهي: القتل والثأر للمقتول...
- تفكيك النسيج الاجتماعي جراء تعميق الاختلافات بين أبناء البلد الواحد، وانتفاء لغة الحوار بين جماهير وأتباع أطراف النزاع.
وغيرها الكثير الكثير من الانعكاسات الخطيرة...
لذلك فأبناء البلد الواحد مدعوون لأخذ مواقعهم والقيام بواجباتهم لدرء الفِتن: فلا يكونوا فاعلين مساهمين في إذكاء نيران الفتنة، ولا مفعولاً بهم ينتظرون مَن يحرِّكهم، وليحذروا أن يكونوا في صفوف المتفرِّجين فيصبحوا حرفاً زائداً لا محلّ له من الإعراب.
- فما هو دور الشباب إذاً في هذه المرحلة؟
فالشباب - وأعني بهم العنصر الشابّ الفاعل الموثِّر في المجتمع في مختلف مراحله العمرية، وفي مختلف الميادين العلمية والعملية – لهم دورٌ كبير في المساهمة بإخماد نيران الحرب الداخلية، فيا أيها الشباب المثقّف الواعي المواكِب لأحداث عصره والمتعلِّم من تجارب غيره ومن دروس التاريخ: لا ترتضوا لأنفسكم أن تكونوا طرفاً في معركة ليست لكم، ولا تقبلوا بأن تتحولوا إلى ورقة (أو حتى خاسرة) رابحة في يد أي طرف من أطراف الصراع يلعب بكم كيفما شاء لتحقيق مصالحه، فأنتم رأسمال الأمة وقِوامها وعصب الحياة فيها، وليكن لأولي النُّهى منكم دورٌ في التوعية والتوجيه وفي تهدئة النفوس وتخليصها من التعصّب الأعمى غير المبني على مبدأ أو عقيدة، كونوا كابن عباس وابن عمر في محاولتهما لثَني الحُسَيْن رضي الله عنه عن التوجُّه إلى العراق خشية وقوع الفتنة؛ فقد «كان ابن عمر بمكة فبلغه أن الحسين قد توجّه إلى العراق، فلَحِقه على مسيرة ثلاث ليال فقال له: أين تريد؟ قال: العراق، وهذه كتبهم ورسائلهم وبيعتهم، فقال ابن عمر: لا تأتهم، فأبى، فقال له: إني محدثك حديثاً، إن جبريل أتى النبي | فخيّره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بَضعة من رسول الله |، والله ما يَليها أحدٌ منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم. فأبى أن يرجع، فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل». وعلى الرغم من حق الحسيْن فيما طالب به، فقد أراد ابن عمر رضي الله عنهما بحكمته وببُعد نظره أن يجنِّب الأمة الإسلامية فتنةً لا تزال تدفع أثمانها حتى يومنا هذا... فتنة انبعثت شرارتها من معركة داخلية بين المسلمين.
- وما هو دور العلماء؟
العلماء ورثة الأنبياء، وهم صِمام أمان الأمة الإسلامية، وقِوام نهضتها، ولَطالما كانت لهم الأدوار العظيمة والمواقف المشرِّفة في تاريخنا السياسي والعسكري والعلمي... ويوم أصبح بعضهم يتحدَّثون باسم الحاكم والسلطان، وتناسَوا الحديث من منطلق القرآن، انحدروا واتخذت الأمة معهم سبيل الانحدار، ولقد كانوا على عهد الأمراء والخلفاء يُحسَب لهم ألفُ ألفِ حساب.
لذلك فإن العلماء على امتداد رقعة العالم الإسلامي عامة وفي لبنان خاصة – بسبب المحنة التي يمرّ بها - عليهم الدور الأكبر في إرشاد الناس وتوعيتهم وتبصيرهم بما هم قادمون عليه إن وقعت الفتنة – نسأل الله السلامة- وليعلموا أن أي موقف يتّخذونه سيحاسَبون عليه يوم القيامة، فليقفوا الموقف الذي يبيِّض صفحتهم عند الله ولا يكترثوا باسوِدادها عند أهل الدنيا، وليتذكروا حديث رسولنا الكريم: «من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومَن أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس». فكم من علماء كُنّا نعدّهم من العالمين العاملين الأخيار الأقوياء في دينهم، فإذا بمواقفهم وتحوُّلاتهم عند المِحكّات تَصدِمنا؛ فبدل أن يَثبُتوا – كمن سبقهم – ويثبِّتوا معهم الناس ويبيِّنوا لهم فإذا بهم يستسلمون للتيار ويسيرون معه حيثما سار. فليكونوا كالإمام أحمد بن حنبل في ثباته عند فتنة القول (بخلق القرآن) وحَمْل العلماء على تبنّيها. يقول الإمام أحمد: «إذا أجاب العالم تقيّة وسكت الجاهل بجهله فمتى يظهر الحق»؟! وفي وصفه لمشهد تعذيب الإمام أحمد في هذه المحنة يقول المقريزي في (المقضي): لما ضُرب أحمد سوطاً قال: بسم الله. فلما ضُرب الثاني قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. فلما ضُرب الثالث قال: القرآن كلام الله غير مخلوق. فلما ضُرب الرابع قال: {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}.
هذا هو الفَهم الذي يُمليه علينا استذكارنا لحدث الهجرة، وهو الذي صاغ الشخصية الإسلامية عبر التاريخ، وهو معيار صِدق إيمان المسلم وصفاء عقيدته، والبوصلة التي يسترشد بهَديِها فتُنجيه بإذن الله تعالى
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة