أوباما من القتال إلى القتل!!
يعتبر أوباما أن أهم إنجازاته في ولايته الأولى هي تحقيق الانسحاب الأميركي من العراق، من دون النظر إلى وجود بضعة آلاف من الجنود لغايات التدريب كما يقال، ومن دون النظر إلى الواقع البائس الذي تركت فيه القوات الأميركية العراق، ممثلا في حكومة طائفية وهيمنة إيرانية، لكن ذلك لم يكن بالنسبة إليها أكثر أهمية من التخلص من النزيف المالي والبشري اليومي هناك.
وفي حين كان البرنامج السياسي لأوباما ينص على الانسحاب من أفغانستان أيضا، فإن واقع الحال وآراء الجنرالات لم تسمح له بتنفيذ انسحاب سريع وفق الجدول الأولي (لم ينفذ أيضا وعده بإغلاق معتقل جوانتانامو)، لكنه يَعِدُ اليوم كما في خطاب (حال الاتحاد) بتنفيذ الانسحاب التدريجي، بحيث لا يبقى في أفغانستان مع نهاية 2014 سوى بضعة آلاف من الجنود لغايات تدريب الجيش الأفغاني. يحدث ذلك على رغم غياب الثقة العملية في قدرة ذلك الجيش ومعه الشرطة الأفغانية على ضبط الوضع، ولعل ذلك هو ما يدفع واشنطن إلى استجداء الحوار مع حركة طالبان عبر الموافقة على فتح مكتب تمثيل لها في الدوحة يكون نقطة اتصال بين الطرفين، مع أن شيئا لم يترتب على تلك الاتصالات إلى الآن.
لم يعد بوسع أوباما البقاء في أفغانستان طويلا، ليس فقط لأن النزيف المالي والبشري يتواصل دون توقف، بل أيضا لأن الحلفاء الدوليين قد أخذوا يفرّون تباعا من ساحة المعركة تاركين القوات الأميركية وحيدة هناك، وقد حدث ذلك بعد أن اقتنع الجميع بلا جدوى الحرب ومن ثم العجز عن حسمها عسكريا مع حركة يتناسل مقاتلوها بشكل يومي، ولديها جيش لا ينضب من الاستشهاديين.
ما يعنينا هنا في استراتيجية أوباما الجديدة التي طرحها في خطاب حال الاتحاد، هي تلك التي أشار إليها عند حديثه عن التهديد الذي تمثله «الجماعات المتطرفة»، حيث شرح آلية التصدي لها بالقول «إننا لا نحتاج إلى إرسال عشرات الآلاف من أبنائنا وبناتنا إلى الخارج أو احتلال دول أخرى. بدلا من ذلك سنحتاج إلى مساعدة دول مثل اليمن وليبيا والصومال للقيام على أمنها ومساعدة الحلفاء الذي يخوضون المعركة ضد الإرهابيين مثلما نفعل في مالي. وحيثما يكون ضروريا فإننا من خلال مجموعة من القدرات سنواصل اتخاذ إجراءات مباشرة ضد أولئك الإرهابيين الذين يشكلون أخطر تهديد للأميركيين».
والحال أن قراءة هذا التطور في السياسة الأميركية كان سابقا على خطاب حال الاتحاد، حيث تأكد أكثر من خلال طرح أوباما لاسم "جون برينان" كمرشح لإدارة الـ "سي آي إيه"، هو الذي عرف بأنه مهندس عمليات القتل المستهدف من خلال طائرات من دون طيار، تلك التي تنتشر على مساحة واسعة من العالم، وقد وصف أحد أعضاء الكونجرس الأميركي "برينان" بأنه الرجل الذي يقرر كل صباح هوية من سيقتل هذا اليوم.
وفي حين تعرض برينان لاستجواب مرير في الكونجرس بسبب هذه السياسة التي لا تصيب الأهداف المعنية فقط، بل تصيب أيضا جحافل من المدنيين كما أثبتت تجارب السنوات الأخيرة. والأهم، أنها تأخذ حكما بإعدام أشخاص من دون محاكمة.
في أي حال، فإن الدرس الذي أخذته أميركا من العراق وأفغانستان كان بليغا وباهظ الثمن في آن، فقد تأكدوا أن أفق الغزو المباشر يبدو مسدودا في التعاطي مع هذه المنطقة، ولا بد من العمل السياسي أولا، مع استهداف المطلوبين بطائرات دون طيار ثانيا.
لكن مشكلة هذه السياسة هي أنها تسيء للدول التي تقبل بها، كما هو حال اليمن مثلا، كما أنها تعمق الجراحات في العالم الإسلامي وتعزز حالة العداء مع أميركا، هي التي تتواصل دون أن يكون هناك استهداف حقيقي لأمن الولايات المتحدة، لاسيَّما أن أكثر الجماعات المرتبطة بالقاعدة قد عادت من جديد إلى «العدو القريب» بعد انشغالها زمنا بالعدو البعيد (الولايات المتحدة). وقد رأينا على سبيل المثال ردة الفعل الشعبية الرافضة لوضع جبهة النصرة على لائحة الإرهاب رغم أنها تقاتل نظاما مجرما (نظام بشار)، ولم تتورط في أي عمل ضد الولايات المتحدة.
للمقاومة الإسلامية إذن فضل كبير في إقناع أميركا بأن مواجهة أبناء هذه الأمة على الأرض ليست ممكنة، وهو درس على الجميع أن يعيه، وفي المقدمة إيران التي تتورط بشكل واضح في المعركة السورية، فضلا عن روسيا، ثم فرنسا التي تورطت مؤخرا في مستنقع مالي.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن