سيد قطب في ظلال الربيع العربي
"إنّ سيد قطب عنيدٌ في الحقّ فهو إذا اعتقد شيئًا أصرّ عليه، ولا يعتقد إلا الحقّ، وهو عنيد في كفاحه وجهاده، لا يثني عزيمته أمر من هذه الأمور، التي تحطم الرجال حطمًا..".
بهذه الكلمات وصف الأستاذ أحمد عطّار، الأديب سيّد قطب. كثيرون من يرون أنّ قراءة سيّد قطب لابدّ أن تكون مرهونة بالمراحل التي عايشها، والمفاصل الفكريّة التي مرّ بها، لكنّهم في ظني لا يختلفون على أنّ سيّد في جميع مراحله كان يشكّل لحظة الثورة التي تقفز بالوعي المُغيّب إلى حاضر التغيير، فسيّد العنيد في الحقّ حمل مشروعه الأدبي على مدار 25 عامًا كتيار ثوريّ فكريّ، لاسيما ثورته على الاستبداد السياسي، التي بدأت بانتقاد الحكم القائم في عهد الملك فاروق، فيقول سيّد: "واستغرقت أنا عام 1951 في صراع شديد بالقلم والخطابة والاجتماعات ضد الأوضاع الملكية القائمة والإقطاع والرأسمالية، وأصدرت كتاببن في الموضوع غبر مئات المقالات في صحف الحزب الوطني الجدبد والحزب الاشتراكي ومجلة الدعوة..".
حارب سيد قطب في مقالاته كل من سمّاهم بأبناء الذوات وأصحاب الكروش والإقطاعيين السارقين لعبير الحرية، ففي إحدى مقالاته يقول: "إنها لعبة على هذا الشعب الذى يسرق هؤلاء المحظوظون قُوتَه وكساءه فيصبحون بما سرقوه "أولاد ذوات" .. إنّ الشعب لا يتسول ولا يجوع، ولا يعرى، ولا يمرض، إلا لأنّ بضعة نفر يستولون على أرزاقه وأقواته.. على حساب هذه الملايين المسروقة المنهوبة المغصوبة الحقوق..".
كان نهجه الرافض الساخط على أذناب الاستعمار في بلاده صريحًا، مدفوعًا بطاقة الثورة المكنونة في الرجل ضد الظلم، فها هو ينشر مقالاً بعنوان: "مدارس للسخط" يقول فيه:
"أما أنا فسأظل ساخطا، أعلن سخطي على كل شائه من المظاهر والأوضاع. ولن أدع الخلق للخالق، لأن الخالق هو الذي يقول: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]، وأخيرا مدرسة للسخط على هذا الشعب الذي يسمح بكل هذه المساخر، دون أن ينتفض فينبذ هؤلاء وأولئك جميعا، وينفض يده من رجال السياسة المضللين..".
لذا كان من التسلسل الطبيعي لمدرسة سيّد الثورية أن يكون قلمها من أشدّ الأقلام حماسًا لتأييد ثورة الضباط الأحرار عام 1952م، بل كان من أوائل من أطلقوا على الانقلاب اسم "الثورة" حيث لم يسبقه إلى ذلك سوى محمد فريد أبو حديد، مع الاختلاف في المُسمى حيث كان يرى سيّد أنّها ثورة شاملة لكل مناحي الحياة على رأسها الهيكلية السياسية وليست ثورة اجتماعية فكرية فقط، كما كان سيّد مُقرّبًا من مجلس قيادة الثورة وتربطه علاقة قوية بالضباط الأحرار، فاسمه كان يتردد في الصحف في أنباء اجتماعات المجلس، وقد صرّح سيّد عن طبيعة هذه العلاقة في قوله: "أعمل أكثر من اثنتي عشرة ساعة يوميا قريبا من رجال الثورة ومعهم ومع من يحيط بهم"، ويقول عن محمد نجيب: ".. لأنه كان يراني كذلك مقربًا من رجال الثورة وموضع ثقتهم مع ترشيحهم لي لبعض المناصب الكبيرة الهامة.."، ويقول عادل حمودة: "والذين عاصروا تفاصيل الأيام الأولى والسنوات الأولى للثورة يؤكدون أن سيد قطب كان له مكتب في مبنى مجلس قيادة الثورة "، وأنه كان يقيم هناك إقامة شبه دائمة، حيث أوكلت إليه هو وسعيد العريان مهمة تغيير مناهج التعليم".
إذًا سيد قطب لم يكن مجرد أديب وناقد بل كان عنصرًا فاعلا في موجة التغيير ومُرتَكزًا يُعتمد عليه في تهيئة البيئة التعليمية لنجاح الثورة والاحتفاظ بمكتسباتها، لكن مرة أخرى روح سيّد الثورية تقلب المعادلة على غير المُتوقع، فيقول سيّد: "استغرقت كذلك في العمل مع رجال ثورة 23 يوليو حتى فبراير سنة 1953م عندما بدأ تفكيري وتفكيرهم يفترق حول هيئة التحرير ومنهج تكوينها وحول مسائل .."، ويروي سليمان فيّاض في حديث دار بينه وبين سيّد قطب:" وقلت: أراضٍ أنت عن هذه الثورة؟ قال سيد قطب: لا أجد فى تطور أمورها ما يريح، فهؤلاء الأمريكان يحاولون احتواءها بدلا من الإنجليز.. أتفهم ما أعنيه؟!".
إلا أنّ ثورة سيّد الأخيرة هذه كلفته روحه ودمه، وبالرغم من أنّه لم يكن حاضرًا بجسده مع ثوّار الربيع العربي، لكن روحه كانت تسري في وقود الثورة ولو لم يكن ثوارها تلاميذه، لكنّهم تلاميذ مدرسة الثورة الفكرية على الاستبداد السياسي المُعاصر التي هو أحد أبرز روّادها، فترى كيف كانت مقالته "نحن الشعب نريد" المنشورة في عام 1952م، تتناغم عفويًا مع مقولة الثورة الهادرة "الشعب يريد".
المصدر: قصة الإسلام
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة