أخــطـــارٌ هــــائــلــة تُواجه الثـــــورات
يؤكّد سياق الأحداث في بلاد العرب التي اندلعتْ فيها ثورات وهي (تونس، مصر، ليبيا، اليمن، سوريا) - سواءً ما انتهى منها إلى تغيير نظام الحكم مثل تونس ومصر وليبيا، أو حالة اليمن التي اقتُصر فيها على ديكور سياسي جديد، أو حالة سوريّة العَصِيّة المُلتهبة بالنار المُضْطَرمة التي لا زالت في أَتُون الغَلَيان - يؤكِّد أنّ كلَّ هذه البلدان تواجِهُ أخطاراً هائلة... تستهدف الالتفافَ على أهداف الثورات أو تفريغَها من المحتوى أو توظيفَ آليات الإجرام – وهي آليات متأصِّلة في العقلية الغربية والصهيونية والمجموعات الطائفية المأفونة الموالية لها في بلادنا - لارتكاب مزيدٍ من الجرائم النادرةِ الوحشية في فظاعتها وبالتالي إجهاضها والوصول إلى طريق مسدود! والمُفارقة أنّ هذه الجرائم الفظيعة تحصُل على مرأى ومسمع من عالَمٍ دخل القرنَ الواحدَ والعشرين ودَهَاقِنَتُهُ الأشرار يتشدّقون بدعاوى (التسامح، والحوار، وحقوق الإنسان)!
يَحْصُل ذلك كلُّه من أجل إجهاض (مشروع التغيير) وللإبقاء على القوة المتفوّقة للكيان الصهيوني وللاستمرار في إبعاد المسلمين عن تحقيق عامليْن أساسيَّيْن من عوامل نهضتهم:
الأول: وهو الأهمّ والأخطر بالنسبة للأعداء: استئناف الانتماء للإسلام الكامل – وليس الإسلام منزوع الدَّسَم! - تديُّناً وتشريعاً ودَوْراً رياديّاً للحضارة.
الثاني: تنمية حقيقية شاملة في بلاد المسلمين ونهضة اقتصادية وصناعية تقوم على أرضية استثمار الخيرات الوفيرة (في الطبيعة والأدمغة) التي أُهملَتْ من قِبَل أنظمة الحكم التي ركّبها الثالوث (الصهيوني - الغربي - الروسي) بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بسبب ارتباطها بالعمالة لهذا الثالوث ومن أجل برهنة أمانتها في أداء وظيفة سرقة الخيرات أو تضييعها، والإمعان في سياسات التخلُّف... مقابل إثبات جَدَارتها في الإرعاب الأمني لشعوبها وفي إدارة ملفات الفساد الإداري والمالي والأخلاقي.
إنها فعلاً (غارة على العالم الإسلامي) لم تنتهِ بعد منذ كَشَف عن مخطَّطها المؤرّخ والمستشرق الفرنسي (لـُ. شاتلييه Le chatelier) في مجلة فرنسية مطلع القرن العشرين، قبل قرنٍ تماماً، ونقله إلى العربية العارف باللغة الفرنسية (الأستاذ مساعد اليافي)، وصاغَهُ تلقّياً عنه ملخّصاً له العلاّمة المؤرِّخ عالِم مصر الكبير (الأستاذ محبّ الدين الخطيب) خال الشيخ علي الطنطاوي، من أجل التنبيه على خطره الهائل على الأمة بدينها وهُوّيتها وحضارتها وتُراثها وثرواتها، ونَشَرها في حلقات متتابعة ثم جَمَعها في كتاب بهذا العنوان يستحقّ أن يقرأَهُ كلُّ مسلم الآن، حتى لو طرأتْ عليه الآن تعديلاتٌ كثيرة في العناوين والدول والمنظمات والآليات والتكتيكات ولكنه لم يتغيّر على الإطلاق في الجوهر!
لذلك لا بدّ من التأكيد على وجوب أن يتبنَّى حاملو المشروع الإسلامي (الجِدّية) المتماهية مع مستوى هذا الخطر الهائل التي تتجلّى في التركيز على الأولويّات التالية: الإيمان القويّ والفهم الصحيح للإسلام من مصدرَيْه - تعزيز تقوى الله عز وجل في القلوب قبل المظاهر - البناء الخُلُقي المتين - الاهتمام البالغ بالإعلام – دور المرأة ووعيُها ومشاركتُها بالضوابط الشرعية ومسؤوليّتها عن تربية الأجيال - الدهاء السياسي - دفع الطاقات الشابّة بكل قوّة إلى التقدُّم في الاختصاصات - وإعطاء جهود كبيرة، مشفوعةٍ بَصبْرٍ ونُبْل وعقولٍ كبيرة، لأولويّة هدف التعاون وتوحيد الجهود وهَدْم (صَنَم الأنا) المرتفع في نفوس الكثيرين ببرامج البناء التربوي وتزكية النفوس وإكساب مهارات إدارة الخلافات، ولا يَسَعُنا إلا أن نَضْرَع إلى الله بما تضَرّع به مَنْ سَبَقنا ممّن امتُحنوا في دينهم {ربنا آتنا من لدنكَ رحمةً وهيِّئ لنا من أمرنا رَشَدا}.. اللهم آمين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن