داعية، مسؤول فرع جمعية الاتحاد الإسلامي في البقاع وعضو هيئة علماء المسلمين في لبنان
الرَّسولُ المعلِّم صلى الله عليه وسلم وأساليبُه في التَّعليم
كتب بواسطة يوسف القادري
التاريخ:
فى : في رحاب الشريعة
1504 مشاهدة
لا يخفى ما للعلم من قيمة في الإسلام ففي القرآن: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون)، وأول كلمة نزلت: (اقرأ)، والنبي عليه الصلاة والسلام يطلق الأسرى عندما يعلِّم الواحدُ منهم عشرةً من المسلمين. والعِلمُ اليوم استطاع أن يغيِّر الواقع وأن يؤمِّن الاحتياجات وينعِّم الناس بالرفاهية والرخاء لهذا كله: طَلَبُ العلمِ في الإسلام فريضة.
وأول المعلمين وأقدرهم على التعليم هم الأنبياء عليهم السلام، فمن لدن آدم إلى سيدنا عيسى عليهم السلام سلسلة ذهبية من المعلمين والمربين.
سـبحانك اللهم خيرَ معلِّـمٍ علَّمتَ بالقلـم القـرونَ الأولى
أرسلـتَ بالتوراةِ موسى هادياً وابنَ البتـول فعـلّـم الإنجيلا
وفجَّرت ينبـوع البيان محمداً فسقى الحديث وناول التنـزيلا
وإذا كان تعريف المعلم أنه: إنسان يحب الناس ويستمتع بالتعامل معهم، وهو ملم بالمعارف والعلوم ومتمكن من عرضها بطريقة واضحة ومحببة وشَيِّقة، بحيث تكون محط اهتمام جميع طلابه. إذا كان هذا التعريف الجميل للمعلم فإن خير نموذج له هو محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول عليه الصلاة والسلام: "إنما بُعثت معلِّماً" ويقول الله عز وجل عنه: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته ويُزكّيهم ويعلمهم الكتابَ والحكمة.. .) وقال تعالى: (وعلَّمك ما لم تكن تَعْلم وكان فضل الله عليك عظيماً).
واليوم تحدَّدت شخصية المعلمين وصار هذا الفن بأصولٍ وقواعد ومهارات وتدريب لتحقيق أفضل النتائج، ولقد كان لرسول الله عليه الصلاة والسلام سماته وأسلوبه في التربية والتعليم.
ومن أبرز ملامح شخصيته التربوية صلى الله عليه وسلم:
oحُسن السَّمت والحضور والوقار، وطلاقة الوجه والأنس والمحبة والرفق واللين مما زاد في ميل النفوس إليه والإقبال عليه. (فبِما رحمةٍ منَ الله لِنْتَ لهم ولو كنتَ فظّاً غليظَ القلب لانْفضوا من حولك).
oومن خصاله صلى الله عليه وسلم: الشجاعة والثبات، والزهد والقناعة، والتواضع والحلم، والعفة والكرم. ورجاحة العقل، وحدة الذكاء وفصاحة اللسان، يملك ناصية البيان، ويحترم من أمامه ويحنو عليه، قدوة لا يخالف فعلهُ قولَه ويتعلم الناس من فعله كتعلمهم من قوله وحِكَمِه.
ولقناعة النبي صلى الله عليه وسلم بإلزامية التعليم وخطورة الجهل وضرورة إتقان هذه المهمة استخدم أعظم الوسائل وأنجعها في التأثير في السامعين ومنها:
-التعليم العملي لأنه أبسط وأيسر فكان يتوضأ ويصلي أمامهم ويقول: "صَلُّوا كما رأيتُموني أصلي"، ويحج معهم ويقول: "خُذوا عني مَناسككم".
-التدرج والمتابعة، فلقد أرسل معاذاً إلى اليمن وأوصاه: "ادعهم إلى شهادة لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن أطاعوا فعلمهم أن الله افترض عليهم الزكاة...".
-اختيار الأوقات المناسبة ومراعاة حال السامعين؛ قال عنه الصحابة: "كان صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافَةَ السآمة". ومراعاة الفروق الفردية؛ فأجاب على سؤالٍ واحد طرح عليه مرات عدة إجابات متنوعة بحسب حال السائل.
-أحسن ترتيب الأولويات واستخدم أسلوب السؤال والحوار، وقارن بين الأمور؛ فيوم سأله أحدُهم أن يأذن له بالزنا قال له: "أتحبه لأمك؟... " فامتنع السائل بيسر وسهولة وكَرِه الزنا.
-وأتقن ضرب الأمثال؛ فمَثَل الجليس الصالح والجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير، ومَثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد.
- وسرَدَ القصص، واستشهدَ بالأحداث، ومازح أصحابه: "يا أبا عُمير ما فَعَل النُّغير؟".
-ومن أعظم أساليبه التربوية: التربية الأبوية؛ قال صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا لكم بمنـزلة الوالد أعلِّمكم".
-وامتحن أصحابه وسألهم وأكرم المتفوق منهم ونصح المقصِّر، واستخدم وسائل الإيضاح؛ فرسم على الأرض، وأشار إلى الشاة الميتة ليشبِّه حال الدنيا والآخرة. وقال: "أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين" وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى، وأمسك الذهب والحرير وقال: "هذان حرامٌ على رجال أمتي حلالٌ لنسائها".
نِعْمَ المُربي ونِعْمَ التربية وهنيئاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارق أصحابه قريرَ العين وقد تعلموا منه وعملوا. فهل يكون قدوة لنا نُحِبُّ العلم ونبرع في التعليم وأصحابه قدوة لنا فنسمعُ ونطيع.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن