أين البرامج الدينية الموجهة في الإعلام اللبناني؟
إنّ تناول البرامج الدينية في الاعلام اللبناني بالبحث يشكل في بعده التحليلي مدخلاً الى فهم الخصوصيات في هذا الاعلام, فإعلامنا اللبناني يسعى بشتى الوسائل للبعد عن الميل الى الطابع الاسلامي بكل خاص مما يؤدي الى انعدام البرامج الدينية وهناك العديد من المحاولات للوصول للأسلوب الأمثل للرسالة التي تقدمها البرامج الدينية وتعميق دورها في تقديم مفاهيم الاسلام الوسطي.
وفي هذا الاطار كان لنا لقاءات مع الشيخ عبد القادر عكاري والإعلامي هشام يعقوب والدكتورة عبلة بساط للحديث عن واقع البرامج الدينية في الاعلام اللبناني.
عكاري: مايقدم يسيئ أكثر مما يصلح
* يقول الشيخ عبد القادر عكاري: تاتي أهمية الاعلام بأنه يصنع رأيا ويزرع وعيا ويبني عقولا ويقدم حقائق ولكن ربما يعمل عكس ذلك, وهذا يتوقف على القائم بالاعلام وهدفه وايديولوجيته وقيمه فمن يملك الاذاعة هو الذي يبسط سلطة ما يريد أن ينشره. ونحن في لبنان كل الاذاعات تختلف ايديولوجيتها عن ما يحمله العلماء والدعاة من فكر والتزام. كما ان التخبط في المؤسسة الاسلامية الأم والثغرة بين هذه المؤسسة وأفراد المسلمين دور كبير في المسؤولية، وهناك سوء اختيار للأشخاص الذين لا يملكون قدرة على التواصل مع الناس او اظهار الصورة الجميلة الكاملة للبرامج الدينية. ومن أهم الأسباب عدم وجود إذاعة تحمل هذا النفس وتمثل التوجه الديني المطلوب.
أما بالنسبة لما يسمى بالدعاة التقليديين فيشير عكاري إلى أن الدعاة الحق والصادقين يعيشون الواقع ولا يتخلفون عن الركب لأن الإسلام دين واقع, ولكن للأسف دائما هناك أناس يريدون أن يعتبروا انفسهم دعاة ويتكلمون باسم الاسلام لكنهم يؤذون ويشوّهون أكثر مما يخدمون القضية والدعوة, وهم لا يمثلون الدعاة ولا أصحاب الصدق الذين يمثلون هذا الدين, فظهور أمثال هؤلاء يرجع بعدم نشاط البرامج الدينية.
أما عن مدى تأثير التوجيه الديني الإعلامي على الشباب فأكد على أن غياب الدعاة عن الساحة الاعلامية ترك الساحة لأصحاب السوء والأفكار الضّالة, وفتح الباب على مصراعيه أمام شباب الأمة للتفلت والانسلاخ من حدود الدين والقيم والآداب والأخلاق التي جعلها الله لحماية المجتمع من التفكك والانحلال. وبات الشباب في تخبط وضياع من السموم التي يبثها الاعلام مما يوافق هوى ونزعة الشباب. ومن أهداف الغرب غزو الشباب المسلم الذين يمثلون همة الامة وأملها ورجالاتها, من خلال إعلام يضلّلهم ويشتّت أفكارهم.
استضافة أناس محددين بهدف التشويه
* وقال عكاري أن استضافة دعاة من طابع سياسي معين له أهداف عديدة، أولا هدف الاذاعة من استضافة الدعاة ذووي اللون الواحد ويكون أغلبهم ممن يستفز من المحاور حتى تظهر ما تنادي به هذه الاذاعة من أفكار, ولتشوّه صورة ومكانة الداعية في الاعلام, وحتّى يوصلوا صورة إلى الناس أن الدعاة هذا مستواهم من التقصير وعدم القدرة على الحوار والصبر على المحاور. ومن جهة ثانية هناك غياب للدعاة الذين يمثلون اللون الآخر والتوجه المختلف, كما أن ضعف الأمة عموما والتخبط والتقاتل الداخلي وعدم وضوح الرؤية تعتبر من أهم الأسباب.
وناقش عكاري مسألة ظهور من لا يستحق من الدعاة فاعتبر أن هذا الإنتقاء مقصود لتشويه صورة الدعاة، أمّا على الداعية إذا عرف أنه لايملك الأهلية والقدرة على التواصل مع المحاورين وأن يصبر على مخالفاتهم وما يطرحون من أفكار مخالفة له، فعليه أن يسعى إلى تأهيل نفسه حتى يكون داعية ناجحاً يوصل الرسالة بكل صدق وحق وحزم من غير إيذاء الآخرين أو تشويه صورة الدعاة، وأن يأخذ على محمل الجد الناس الذين يتأمّلون فيه خيراً بأن يوصل الفكرة الأسلم كما يريد الله تعالى ورسوله الكريم. ويقع اللّوم على الداعية بأن لا يصدّر نفسه إذا كان لا يملك الاهلية لهذا المكان. كما يعد غياب المؤسسة الأم من أهم الأسباب فدار الفتوى تمرّ بالكثير من المشكلات والتخبّط، فهذا الغياب يعدّ المؤثّر الأكبر لأنها هي التي تُعدّ دعاة ناجحين ومهيّئين للخوض في مضمار الإعلام.
وقال إن واجبات تقع على علمائنا في التواجد الضروري في الإعلام اللبناني وذلك لنشر قيم الإسلام من خلال صورته السمحة والإهتمام بالشؤون الدينية من خلال رعاية شؤون الأمّة والمواطن المسلم عبر رجال دين أكفّاء في شرح العقيدة والفكر الإسلامي بطريقة حضارية ففي ظلّ هذا الواقع المرير لابدّ من نهضة للعلماء والدعاة وأن يعيدوا حلقة الوصل مع الإعلام، هذه الحلقة المفقودة بين الدعاة والإعلام في لبنان، من أهم هذه الأمور التي تعيد التواصل توحيد الصف الداخلي وصورة الدعاة تحت راية واحدة وهذا بحد ذاته إعلام ضخم يؤدي إلى إعادة الهيبة المفقودة للدعاة، وواجب الدعاة أن يعيشوا هموم هذه الأمّة وينادوا بحقوقها ويدفعوا المظلومية الواقعة على أبناء الوطن وذلك عبر وجود قيادة حكيمة من الدعاة تعمل على بسط هذه الرسائل على أرض هذا الوطن. كذلك من الأمور المهمة أن يبقوا على تواصل مع العلم والواقع الذي نعيشه والمستجدات الحاصلة في ربوع هذا الوطن.
وعلى الداعية أن يكون قدوة في نبذ الخلافات والسعي إلى بناء ما تصدّع من هيبة دار الفتوى للحفاظ على الدار وهيبتها وزرع إحترامها في قلوب المسلمين وكل اللبنانيين عبر سياسة حكيمة بأهداف واضحة. وكذلك لمّ شمل جميع الدعاة والمؤسسات وجمعهم تحت ظل هذه المؤسسة الأمّ الجامعة وبالتالي تكون جهة واحدة تملك القدرة على توظيف قدرات الدعاة ووضع الخبرات في المكان المناسب وإعادة الأمور إلى نصابها مجدداً عبر قيام لجنة بإختيار الدعاة الإعلاميين والتواصل مع وسائل الإعلام، فترشح من تراه مناسباً من الدعاة لإرسال الرسائل الإسلامية السمحة والمعتدلة التي ننادي بها جميعاً في لبنان.
بساط: المرأة أكبر المتضررين
* في حوار أجريناه مع الدكتورة عبلة بساط عن موضوع غياب البرامج الدينية عن المحطات اللبنانية وأثره على الأٍسرة عموما رأت أن غياب دور المرأة المسلمة عن الاعلام اللبناني يعود إلى عدم وجود محطات لبنانية ملتزمة اذا هو ليس تغييب لدور المرأة انما هو تغييب للدور الديني بشكل أساسي، فالمحطات اللبنانية تخلو من البرامج الدينية إلا في المناسبات الدينية السنوية وبقدر قليل جدا، فهم لا يريدون أخذ هذه الصبغة أو ادعاء الاسلام وهذا الدور سيبقى مهمّشا إلّا إذا استطعنا نحن كمسلمين ايجاد البديل.
وأَضافت: أمّا عن تأثير غياب البرامج الدينيّة الارشادية على المرأة المسلمة فأنّ هناك فضائيات اسلامية كثيرة تسعى الى نشر الوعي من خلال هكذا برامج وهي لا تبخل على النساء بالبرامج الدينية والدعوية ولكن للأسف نساء المجتمع اليوم لا ينجذبن لهكذا أنواع من البرامج بل تفضلن البرامج الترفيهية والمسلسلات والافلام, «وأنا رأيي أن اللوم هنا يقع على الأفراد أكثر منه على الاعلام فالناس تستسيغ وتستمتع بهذا النوع من البرامج بل وتتعطّش لها ولكن أيضا هناك الكثير من الملتزمين الذين يحاولون جاهدين الحفاظ على متابعة المحطات الدينية الهادفة التي ليس بالضرورة انتاجها محلّي من خلال اي قناة فضائية دينية».
ولدى استفسارنا عن المسؤول عن المفاهيم الخاطئة والتي تخالف الدين قالت بساط أن هذه سياسة ممنهجة والمسؤولية الاساسية تقع على عاتق الاسرة النواة فعلى الأم خاصة تربية جيل صالح مصلح لكي يحسن هو بدوره اختيار ما هو مناسب وجيّد من الاعلام.
وأشارت إلى دور المرأة المسلمة في التغيير من هذا الواقع وتحسينه مطالبة بأن يكون لها دور أساسي في نشر الوعي بين أفراد المجتمع وأن تترك بصمة في هذا الشق، وعلى كل امرأة مسلمة أن تعي أهمية الدور الذي تمارسه سواء كأم أو مربية أو كداعية وأن تسهم في وضع أساس تربية سليم فهذا بحد ذاته مهم في بناء جيل جديد يغير من هذا الواقع.
وتابعت: فلننظر إلى البرامج المستوردة من الغرب وتأثيرها على المرأة كما على سائر الافراد وبالأخص الشابات اللواتي هن في طور تأسيس عائلة وتربية أجيال، وبالتالي علينا أن نقدم البديل عن هذه البرامج وإلا ستكون العواقب المترتبة عن هذه البرامج كبيرة جدا وهي أصلا بدأت بالظهور من خلال المشاكل الاخلاقية التي تعصف بمدارسنا وجامعاتنا على كافة الأصعدة.
يعقوب: ضرورة واجبة
* أما من الناحية الإعلامية فأشار الإعلامي هشام يعقوب إلى أنه لا يختلف اثنان على أن وسائل الإعلام تحولت إلى مساحة اتصال وتواصل يلجأ إليها جمهور واسع من الناس لإيجاد ضالتهم فيما يشكل محط اهتمام لهم. فمن يهتم بالجانب السياسي يتابع الأخبار والبرامج السياسية، ومن يهتم بالطعام وفنون الطبخ يتابع البرامج التي تفيد في ذلك، ومن يهتم بالرياضة يتابع القنوات والبرامج المتخصصة بالرياضة.
وإذا ما اتفقنا على أن الدين هو أهم ما في حياة الإنسان، وهو الذي يجب أن يحوز اهتمامه بالكامل، أدركنا أن وجود برامج دينية توجيهية وتربوية بات من الضرورات التي لا تعذر فيها القنوات العربية والإسلامية.
وقال: فالدين هو الذي ينظم حياة الإنسان كلها، وهو جوهر وجوده وليس موضوعا كماليا فائضا أو زائدا في حياتنا، ومن هنا تبرز أهمية خدمة الإسلام تعلما وتعليما ونشرا وتوجيها وردا للشبهات التي تحاول أن تنال من عظمته وكماله، ولكن في هذا الزمن الذي يختلط فيه الحابل بالنابل، وتكثر التحديات والمخاطر المحدقة بالإنسان لإفساد تصوّره عن الإسلام، تبدو الحاجة إلى برامج توجيهية مضاعفة.
وأضاف: مثل هذه البرامج يعوّل عليها في إبراز الصورة الحقيقية الوسطية للإسلام، ويعول عليها في نشر معارفه وعلومه وآدابه وقيمه التي فيها خلاص للإنسانية من تعثرها. ولا شك في أن جميع فئات وشرائح المجتمع تحتاج إلى هذه البرامج الدينية التوجيهية في ظل حالة التشويش التي تمارس على الأب والأم والشباب والمعلم والعامل والمرأة... حتى افتقد هؤلاء المنهج والقدوة والدليل الذي نرى أنه إن لم يكن نابعا من أصالة الإسلام وشموليته وحيويته فإنه سيكون بابا جديدا من أبواب الضلال والبعد عن أصل النبع العذب، والملاحظ أن عددا لا بأس به من تلك البرامج يبث على عدد من القنوات والإذاعات العربية والإسلامية، وإن كان ذلك العدد قليلا ولا يفي بالغرض.
واختتم: ولكن الأهم في المسألة أن تلك البرامج لم تثبت إلى اليوم تأثيرا قويا على النحو المأمول ولعل ذلك يعود إلى ضياع تلك البرامج في معمعة البرامج الفارغة والمسلية والبرامج التي تواكب الأحداث اليومية للناس كما أن عدم حيوية هذه البرامج وعدم تقديمها بحلة جذابة شكلا ومضمونا كل ذلك يدفع الجمهور إلى النفور منها.
المصدر: جريدة اللواء
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة