معاوية بن أبي سفيان... فضائل لا ينكرها ذو جنان
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه... فضائل لا ينكرها ذو جنان
ذكر بعض فضائله رضي الله عنه:
ذكر العلماء لمعاوية رضي الله عنه فضائل كثيرة من هذه الفضائل:
* من القرآن الكريم:
- فقد اشترك معاوية رضي الله عنه في غزوة حنين، قال تعالى: ((ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ)) (التوبة، الآية: 26). ومعاوية رضي الله عنه من الذين شهدوا غزوة حنين وكان من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي صلى الله عليه وسلّم، كما أنه ممن وعدهم الله الحسنى: قال تعالى: ((لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) (الحديد ، الآية : 10). ومعاوية رضي الله عنه ممن وعدهم الله الحسنى، فإنه أنفق في حنين والطائف وقاتل فيهما.
* من السنة:
- دعاء الرسول صلى الله عليه وسلّم لمعاوية رضي الله عنه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلّم: اللهم اجعله هادياً، مهدياً، واهد به.
وقال صلى الله عليه وسلّم: اللهم علّم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب.
- ما أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فتواريت خلف الباب، قال: فجاء فحطأني حطأةً وقال اذهب وادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت: هو يأكل، فقال: لا أشبع الله بطنه.
قال النووي معلقاً على هذا الحديث، وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أنّ معاوية رضي الله عنه لم يكن مستحقاً للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله غيره من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة دعاء له.
ولذلك قال ابن عساكر عن حديث لا أشبع الله بطنه: "أصح ما روي في فضل معاوية.. وبعده حديث.. اللهم علمه الكتاب، وبعده حديث.. اللهم اجعله هادياً مهدياً".
وعن الحديث نفسه قال الذهبي: "قلت: لعل أن يقال، هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلّم: (اللهم من لعنته أو سببته، فاجعل ذلك له زكاة ورحمة).
وقيل في لا أشبع الله بطنه: أنها كلمة جرت على عادة العرب نحو "قاتله الله ما أكرمه"، "ويل أمه وأبيه ما أجوده"، مما لا يراد معناه.
- ما أخرجه البخاري من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه، عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت: "نام النبي صلى الله عليه وسلّم يوماً قريباً مني، ثم استيقظ يبتسم، فقلت: ما اضحكك؟ قال: أنس من أمتي عرضوا علي، يركبون هذا البحر الأخضر، كالملوك على الأسرة، قالت: فادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها، ثم نام الثانية، ففعل مثلها، فقالت قولها، فأجابها مثلها، فقالت: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: أنت من الأولين"، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية.
قال ابن حجر معلقاً على رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلّم قوله: "ناس من أمتي عرضوا على غُزاة.." يُشعر بأنه ضحكه كان إعجاباً بهم، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة.
* ما أخرجه البخاري من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول: "أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا، قالت : يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلّم أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا.
وفي هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر، وكان معاوية رضي الله عنه يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكذلك رسائل النبي صلى الله عليه وسلّم إلى زعماء القبائل، وكتبة معاوية رضي الله عنه للوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أتاح له لون من القرب الطبيعي من رسول الله صلى الله عليه وسلّم في تلك الفترة التي أعقبت فتح مكة حتى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلّم، مما يستتبع بالضرورة التأثر بشخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم، والأخذ المباشر منه.
رواية معاوية رضي الله عنه لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
يعد معاوية رضي الله عنه من الذين نالوا شرف الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومرد ذلك إلى ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد فتح مكة وكان عمره في فتح مكة حوالي ثماني عشرة سنة، ولكونه صهر رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكاتبه فقد أتيحت له فرصة عظيمة لملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، هذا وقد روى معاوية رضي الله عنه مائة وثلاثة وستين حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم، واتفق له البخاري ومسلم على أربعة أحاديث، وانفرد البخاري بأربعة ومسلم بخمسة.
نهي أمير المؤمنين علي عن شتم معاوية رضي الله عنه ولعن أهل الشام:
روي أنّ علياً رضي الله عنه لما بلغه أن اثنين من أصحابه يظهران شتم معاوية رضي الله عنه ولعن أهل الشام، فأرسل إليهما أن كفّا عمّا يبلغني عنكما، فأتيا فقالا: يا أمير المؤمنين ألسنا على الحق وهم على الباطل؟.
قال: بلى وربّ الكعبة، قالا: فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟.
قال: كرهت لكم أن تكونوا لعّانين، ولكن قولوا: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، وأبعدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغي من لجج به.
وأما ما قيل من أن علياً رضي الله عنه كان يلعن في قنوته معاوية وأصحابه، وأن معاوية إذا قنت لعن عليّاَ وابن عباس والحسن والحسين رضي الله عنهم، فهو غير صحيح، لأنَّ الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أكثر حرصاً من غيرهم على التقيد بأوامر الشارع الذي نهى عن سباب المسلم ولعنه، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قوله: من لعن مؤمناً فهو كقتله .
مواقف لمعاوية رضي الله عنه من سيدنا علي رضي الله عنه:
ولما جاء خبر قتل علي رضي الله عنه إلى معاوية رضي الله عنه جعل يبكي، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟... فقال: "ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم".
وكان معاوية يكتب فيما ينزل به يسأل له علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذلك، فلما بلغه قتله قال: "ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب".
وقد طلب معاوية رضي الله عنه في خلافته من ضرار الصُّدائي أن يصف له علياً رضي الله عنه فقال: أعفني يا أمير المؤمنين، فقال معاوية: لتصفنَّه، قال: أما إذا لابد من وصفه فكان والله بعيد المدى، شديد القُوى، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، ويستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته وكان غزير العبرة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن، وكان فينا كأحَدِنا يجيبنا إذا سألناه وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله - مع تقريبه إيانا وقربه منا- لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظمِّ أهل الدين ويُقرِّب المساكين، لا يطمع القويُّ في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله وأشهد أنه لقد رأيته في بعض مواقفه - وقد أرخى الليل سُدولَه وغارت نجومه- قابضاً على لحيته، يتململ تململ السقيم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: "يا دنيا غُرِّي غيري إليّ تعرضّت أم إليًّ تشوًّفتِ، هيهات هيهات، قد باينتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعمرك قصير، وخطرك كثير، آه من قلة الزاد وبُعد السفر، ووحشة الطريق".
فبكى معاوية رضي الله عنه وقال: (رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك).
وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما جالسان عنده فسلمت عليه وجلست فبينما أنا جالس إذ أتي بعلي ومعاوية فأدخلا بيتاً وأجيف الباب وأنا أنظر، فما كان بأسرع من خرج علي وهو يقول: قضي لي ورب الكعبة، ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول: غفر لي ورب الكعبة.
موقف أهل السنة من تلك الحروب:
إن موقف أهل السنة والجماعة من الحرب التي وقعت بين الصحابة الكرام رضي الله عنهم هو الإمساك عما شجر بينهم إلا فيما يليق بهم رضي الله عنهم، لما يسببه الخوض في ذلك من توليد العداوة والحقد والبغض لأحد الطرفين، وقالوا: إنه يجب على كل مسلم أن يحب الجميع ويترضى عنهم ويترحم عليهم ويحفظ لهم فضائلهم، ويعترف لهم بسوابقهم، وينشر مناقبهم وأن الذي حصل بينهم إنما كان عن اجتهاد والجميع مثابون في حالتي الصواب والخطأ، غير أن ثواب المصيب ضعف ثواب المخطئ في اجتهاده وأن القاتل والمقتول من الصحابة في الجنة، ولم يجوز أهل السنة والجماعة الخوض فيما شجر بينهم، وهذه طائفة من أقوال أهل السنة التي تبين موقفهم فيما شجر بين الصحابة.
1- سئل عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى عن القتال الذي حصل بين الصحابة فقال "تلك دماء طهر الله يدي منها أفلا أطهر بها لساني؟ مثل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم مثل العيون، ودواء العيون ترك مسها". قال البيهقي معلقاً على قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: "هذا حسن جميل لأن سكوت الرجل عما لا يعنيه هو الصواب".
2- سئل الحسن البصري رحمه الله تعالى عن قتال الصحابة فيما بينهم فقال: قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم وغبنا وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا.
ومعنى قول الحسن هذا: أن الصحابة كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا وما علينا إلا أن نتبعهم فيما اجتمعوا عليه، ونقف عندما اختلفوا فيه ولا نبتدع رأيا منا، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله عز وجل.
3- سئل جعفر بن محمد الصادق عما وقع بين الصحابة فأجاب بقول : أقول ما قال الله: ((عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى)) (طه, الآية:52).
4- قال الإمام أحمد رحمه الله بعد أن قيل له: ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية، قال: ما أقول فيهم إلا الحسنى، وعن إبراهيم بن آرز الفقيه قال حضرت أحمد بن حنبل وسأله رجل عما جرى بين علي ومعاوية؟ فأعرض عنه فقيل له: يا أبا عبد الله هو رجل من بني هاشم فأقبل عليه فقال: اقرأ ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (البقرة:141)
5- وقال ابن أبي زيد القيرواني في صدد عرضه لما يجب أن يعتقده المسلم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وما ينبغي أن يذكروا به فقال: وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر والإمساك عما شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب.
6- قال أبو بكر بن الطيب الباقلاني: ويجب أن يعلم أن ما جرى بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم ورضي عنهم من المشاجرة نكفّ عنه ونترحم على الجميع ونثني عليهم ونسأل الله تعالى لهم الرضوان والأمان والفوز والجنان ونعتقد أن علياً عليه السلام أصاب فيما فعل وله أجران، وأن الصحابة رضي الله عنهم إن ما صدر منهم كان باجتهاد فلهم الأجر ولا يفسقون ولا يبدعون والدليل عليه قوله تعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)) (الفتح, الآية: 18) وقوله صلى الله عليه وسلّم "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر" فإذا كان الحاكم في وقتنا له أجران على اجتهاده فما ظنك باجتهاد من رضي الله عنهم ورضوا عنه، ويدل على صحة هذا القول: قوله صلى الله عليه وسلم للحسن رضي الله عنه: "إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"، فأثبت العظمة لكل واحدة من الطائفتين وحكم لهما بصحة الإسلام وقد وعد الله هؤلاء القوم بنزع الغل من صدورهم بقوله تعالى: ((وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)) (الحجر,الآية:47)..
7- وقال ابن تيمية في صدد عرضه لعقيدة أهل السنة والجماعة فيما شجر بين الصحابة "ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب ومنها ما هو زيد فيه ونقص وغُيّر عن وجهه والصحيح منه هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون".
8- وقال ابن كثير: أما ما شجر بينهم بعده عليه الصلاة والسلام فمنه ما وقع من غير قصد كيوم الجمل ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين والإجتهاد يخطئ ويصيب ولكن صاحبه معذور وإن أخطأ ومأجور أيضاً، وأما المصيب فله أجران.
9- وقال ابن حجر: واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً، وأن المصيب يؤجر أجرين.
فأهل السنة مجمعون على وجوب السكوت عن الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم بعد قتل عثمان والترحم عليهم وحفظ فضائل الصحابة والاعتراف لهم بسوابقهم ونشر محاسنهم رضي الله عنهم و أرضاهم.
المآخذ على فكرة ولاية العهد في عهد معاوية رضي الله عنه:
صحيح أن النظام الإسلامي للحكم لم ينص على طريقة معينة لاختيار ولي الأمر، ولكنه وضع الأساس التي لا تجوز الحيدة عنه، إلا في حالات الضرورة والاضطرار، وهو الشورى وليس للشورى أسلوب خاص، وطريقة واحدة، لا تتحقق إلا بها، ولكن تتحقق بأساليب شتى كما حدث في اختيار الأمة للخلفاء الراشدين، ولئن قصد معاوية رضي الله عنه بإحداث ولاية العهد في نظام الحكم الإسلامي جمع كلمة المسلمين، وحقن دمائهم، فهو إن شاء الله تعالى مأجور على أنه كان قادراً على أن يجعل العهد بعده لغير ولده من كبار الصحابة الموجودين في تلك الفترة، فقد كان الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم وغيرهم موجودين في هذا الوقت ولكن معاوية رضي الله عنه عدل عن هؤلاء وقصد لولده ليكون خليفة بعده، وبذلك حصل التغير الحقيقي في نظام الحكم الإسلامي، فليس التغيير في إيجاد نظام ولاية العهد... ولكن التغيير في أن يكون ولي العهد ولد الخليفة أو أحد أقاربه، حتى أصبحت الحكومة ملكية بعد أن كانت خلافة راشدة.
وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة، فإنهم لا ينزهون معاوية رضي الله عنه ولا من هو أفضل منه من الذنوب، والخطأ في الاجتهاد، بل يقولون إن للذنوب أسباب تدفع عقوبتها من التوبة والاستغفار والحسنات المحاية، والمصائب المكفرة، وغير ذلك وهذا أمر يعم الصحابة وغيرهم، ومعاوية رضي الله عنه من خيار الملوك الذين غلب عدلهم على ظلمهم وما هو ببريء من الهنات والله يعفو عنه.
والذي يجب أن نعتقده في معاوية رضي الله عنه أن قلوبنا لا تنضوي على غلّ لأحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم بل نقول: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) (الحشر الآية: 10) ونقول بأن معاوية رضي الله عنه اجتهد للأمة خوفاً عليها من الانقسام والفتن، ولا يمكن أن يحمل تبعات كل أخطاء الملوك والأمراء الذين جاؤوا من بعده.
ومع ما وقع من انحراف في تغيير النموذج الأعلى لنظام الحكم الإسلامي، الذي تتمثل فيه روح الإسلام كاملة وهو الخلافة واستبدال الملك العضوض به، إلا أن الطابع الإسلامي هو الصفة الغالبة على مظهر الدولة، وتصرفات الحكام، فالصلاة تؤدى في أوقاتها، والزكاة تحصَّل من أربابها والصوم فريضة لا يُعارض في أدائها، وإقامة الحدود دون هوادة لم يقف شيء دون تنفيذها، والجهاد في سبيل الله فريضة ماضية بين رجالها، وبالجملة كانت تعاليم الإسلام مطبقة بحذافيرها.
المصدر: من كتاب الدولة الأموية.. عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار للدكتور علي الصلاّبي.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة