المحدث الرّباني الزّاهد بدر الدّين الحسني
المحدث الرّباني الزّاهد بدر الدّين الحسني المتوفى في ربيع الأول 1359 هـ.
ولد رحمه الله تعالى من أبوين فاضلين تقيين ورعين، فوالدته السيدة عائشة بنت الشيخ إبراهيم الكزبري وهي من أعرق عوائل دمشق بالعلم والفضل.
اعتنت رحمها الله تعالى بولدها وسلّمته إلى شيوخ العصر، وقد رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامها قد وضع تمرة في فيه فاستيقظت من منامها فوجدت التمرة في فيه يمضغها!!. ووالده هو العلّامة يوسف بدر الدين المراكشي الذي هاجر من مراكش إلى مصر ودخل الجامع الأزهر وأخذ عن العلّامة الصاوي والعلّامة حسن العطار وقد نبغ نبوغاً عظيماً, وكان لا يخاف في الله لومة لائم، وقد تمّ على يديه استرداد القسم المغصوب من دار الحديث الأشرفية بدمشق وكان قد استولى عليه أحد النصارى وجعله حانة خمر.
نشأ الشيخ بدر الدين في حجر والده وأتمّ حفظ القرآن الكريم وتعلّم الكتابة وهو ابن سبع سنوات ثمّ أخذ في مبادئ العلوم, ولمّا توفي والده كان له من العمر اثنتا عشرة سنة فجلس في غرفة والده في دار الحديث الأشرفية يطالع الكتب ويحفظ المتون بأنواع الفنون. وفي خلوته كان يحس بروحانية والده رحمه الله فيقص ذلك على والدته الزاهدة العابدة التقية فأخذت بيد ابنها وذهبت به إلى العلّامة الشيخ أبي الخير الخطيب وكان من العلماء العاملين فتسلّمه من أمّه ووصّى به, وقد جاء بعض العلماء لمعايدة الشيخ أبي الخير فقال لهم: هذا ابن الشيخ يوسف المغربي وعمره اثنا عشر عاماً وقد حفظ من متون العلم اثني عشر ألف بيت وقد أدهشني بذكائه وتقواه.
وقد نبغ نبوغاً باهراً ولما يكمل الثامنة عشرة من عمره مما استلفت أنظار مشايخه فأجازوه إجازة عامة وأذنوا له بالتدريس وشرح قصيدة "غرامي صحيح" في مصطلح الحديث ولم يكمل العشرين من عمره ثمّ شرع بالمطالعة بنفسه بهمّة عالية نادرة المثيل، وحفظ صحيح البخاري ومسلم بأسانيدهما وموطأ مالك ومسند أحمد وسنن الترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه وكان يحفظ أسماء الرجال.
ولم يعرف عن الشيخ رحمه الله تعالى إلا الخير في الفعل والقول وقد كان على طريقة السلف الصالح من إظهار الدين الحنيف بمظهره الحقيقي. ولم يدع دقيقة واحدة تمضي من عمره إلا صرفها في طلب العلم أو إعطائه أو عبادة أو ذكر أو عيادة مريض أو مسجون أو تحنّن على يتيم أو فقير.
وقد كان يبدأ يومه بصلاة الصيح في الجامع الأموي بغلس ثمّ يقرأ بعض أوراده ثمّ يذهب إلى غرفته في دار الحديث فيكمل بقية أوراده ثمّ يصلي صلاة الضحى التي لم يتركها قط حتى في سفره وحتى يوم وفاته. ثم يغفي إغفاءة قصيرة ثم يبدأ الدروس التي تمتد إلى ما بعد الضحوة الكبرى فإذا قرب الظهر توضأ واستقبل القبلة ودعا وصلى ما شاء الله أن يصلي فإذا أذن للظهر صلاها جماعة وأقبل بعد قراءة أوراده على الدروس فإذا قرب العصر تهيأ لها ثم بعد أن يصليها مع الجماعة يعود إلى الدروس، ثم يتوجه إلى بيته فإذا صلى المغرب جماعة أفطر ثم جلس للدرس في بيته وهذا الدرس يحضره طلبة العلم والعامة، ويؤخر صلاة العشاء لأجله فإذا صلاها مع الجماعة ذهب إلى مضجعه من غير أن يكلم أحداً أو ينام وهو مسند ظهره إلى الحائط ذاكراً لله تعالى ثم يقوم للتهجد حتى يقرب الفجر.
وقد عرف عن الشيخ رحمه الله الحكمة في دعوته والتحبب إلى الشباب غير الملتزمين بهدف هدايتهم وقد كان يزور المساجين ويدعوهم إلى التوبة. ومن زهده وتواضعه أنه لم يصلّ إماماً طوال حياته مع أنه لم تفته جماعة قط, وكان لا يستمع إلى غيبة أحد وإذا تكلم أحد في مجلسه بغيبة أسكته. وقد شُهد له بالمواقف الجليلة ضد الفرنسيين وكانوا يخافونه.
رحم الله الشيخ بدر الدين الحسني وأسكنه في أعلى جنانه وحشرنا وإياه مع النبيين والصديقين والصالحين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة