على خطى هاجر عليها السلام
قضى الله تبارك وتعالى بجعل نُسك من مناسك الحج والعمرة - وهو السعي بين الصفا والمروة - على خطى امرأة إكراماً وتعظيماً لشأنها وإظهاراً لدورها وثناءً على جهدها الذي بذلته خدمةً لدينها؛ وهي: هاجر عليها السلام التي عُرِفَتْ بأمِّ العَرَب العدنانيين وبأم الذبيح (إسماعيل عليه السلام).
كانت هاجر عليها السلام جارية مِصرية وَهَبَهَا ملكُ مِصرَ إلى السيدة سارّة عليها السلام، وبدورها وهبتها إلى إبراهيم عليه السلام ليتزوجها، عسى الله تعالى يرزقه منها ولد يشاركه مسؤولية الدعوة إلى الله تعالى لاسيما بعد أن طعنت سارّة فى السن، ولم تُنجب، وعندما وضعت هاجر وليدها أخذها إبراهيم إلى صحراء مكة لحكمة يريدها الله تعالى، وفي تلك البقعة المقدسة بدأت فصول قصتها التي نستشف من خلالها ملامح من شخصيتها ميّزتها عن غيرها من نساء العالمين؛ منها:
يقين راسخ بالله تعالى وتوكّل عليه؛ ذكرتْ كتب التفاسير أنّه حينما أخذ إبراهيم هاجر ورضيعها عليهم السلام إلى مكّة وليس فيها يومئذٍ أحد، وليس بها ماء، وضع عندهما جِراباً فيه تمر وسِقاء فيه ماء، وعندما همّ بالانصراف قامت إليه هاجر وتعلّقت بثيابه، وقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتدعنا ههنا وليس معنا ما يكفينا؟ فلم يُجبها، فلما ألحّت عليه وهو لا يجيبها، قالت له: الله أمرك بهذا؟ فقال: نعم، فقالت: إذن لا يضيِّعنا.
القدرة على التكيُّف مع الظروف المستجدّة؛ محطات كثيرة من حياة هاجر عليها السلام أكّدت تمتعها بهذه الصفة؛ فلقد كانت جارية لفرعون أو ملك مصر، أي أنّها كانت ترفل بنعيم القصور ومعتادة على هذه الأجواء، وبعد أن أهداها الفرعون لسارّة عليها السلام انتقلت برفقتها وزوجها إبراهيم عليهم السلام إلى بلاد الشام ذات الطبيعة المعتدلة ومعهم أنعام وعبيد ومال جزيل، وبأمرٍ من الله عز وجل اضطُرت للسكن في صحراء الجزيرة العربية حيث الطبيعة الصحراوية القاسية، وحدها هناك بلا أنيس ولا جليس ولا طعام أو شراب، بعيدة عن أجواء المدنية التي اعتادت عليها.
شجاعة تقهر المخاوف؛ ظهرت في مواجهتها خوف الوحدة والوحشة (من خلال السماح لإحدى القبائل بمجاورتها) وخطر الهلاك من الجوع والعطش (بالسعي والبحث عن الماء والكلأ) يقول ابن كثير في كتابه قصص الأنبياء: لما نفد ما في السِّقاء عَطِشت هاجر، وعَطِش ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوّى، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا، أقرب جبل في الأرض، يليها، فقامت عليه، ثم استقبلت الوادي تنظر فلم تر أحداً، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي سعت سعي الإنسان المجهود، ثم أتت المروة فلم تر أحداً، ففعلت ذلك سبع مرات حتى أنبع الله تعالى لهاجر وابنها الماء بواسطة الملك الذي ضرب موضع زمزم بعَقِبه - جناحه - حتى ظهر الماء ثمّ قال لها: لا تخافوا الضَّيعة، فإنّ ههنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه، وإنّ الله لا يضيِّع أهله.
القدرة على إدارة الأزمات وتوظيفها لصالحها؛ ويتجلّى هذا الأمر في موقفها عندما جاءتها قبيلة عربية مستئذنة: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت: نعم، ولكن لا حقّ لكم في الماء، فقالوا: نعم. وبذلك ضَمِنت لنفسها ولولدها مصدر رزق تعتاش منه. فنزلوا وأرسلوا أهليهم فنزلوا معهم.
فن صناعة الرجال؛ فهاجر - عليها السلام - رغم الظروف الصعبة التي نشأ فيها ابنها إسماعيل عليه السلام، ورغم أن إسماعيل هو الولد الوحيد لأمّه، إلا أنّ صحبتها وتربيتها له لم تفسده، بل على العكس كانت على قدر المسؤولية التي أُنيطت بها؛ فلقد تخرّج إسماعيل من بين يديها رجلاً مؤهلاً لحمل رسالة النبوة.
هذه بعض من ملامح شخصية هاجر عليها السلام... نستذكرها في هذه الأيام المباركة عسى أن تكون معلَماً هادياً لغيرها من النساء ونموذجاً يُقاس عليه ويُحتذى به .
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة