دليل المرأة الذكية في رمضان
رمضان أكبر فرصة للتغيير على كافة مستويات الحياة، فالنهضة الإيمانية والهمة العالية والنفحات الربانية لن تثمر المزيد من العبادة الخاشعة فحسب، ولكنها تثمر التغيير على المستوى النفسي العميق الذي يأمله كل إنسان، ومن ثم تحدث تغيرات حقيقة على مساحات التواصل الإنساني وطبيعة العلاقات الاجتماعية التي يعيشها الإنسان، وتتسع الفرصة لإجراء أكبر مصالحة في حياة الإنسان، تبدأ من الذات وتشمل شريك الحياة والأبناء، وتتسع حتى تشمل جميع الأقارب والجيران والأصدقاء.
والمرأة الذكية هي التي تستثمر هذه الأجواء الرمضانية في تغيير وتعديل مسار حياتها، فليس من المبالغة في شيء القول إن كثيرًا من الزوجات يشعرن بالأسى والأسف الذي قد يصل ببعضهن إلى حافة الاكتئاب، فالكثيرات على خلاف مع الزوج، فالعلاقة متوترة تتخللها نوبات غضب، والحوارات قليلة وتتسم بطابع عملي جاف، وتدور حول مشاكل الأبناء ونحو ذلك، والمرأة تعاني الملل على الرغم من كثرة المسئوليات الملقاة على عاتقها؛ فهي لا تستمع بها وتشعر بأنها عبء نفسي عليها، وهي عصبية دائمًا مع الأولاد، وغير راضية عن سلوكهم، وفاشلة في عقد صداقة معهم، وهذا كله جعل الكثير من نسائنا محبطات من حياتهن بلا أمل في التغيير الحقيقي، ومستسلمات تمامًا للآلية التي بها تمضي حياتهن، وأصبح مجرد الاستمرار فيها والحفاظ الشكلي عليها هو أكبر وأهم أهدافهن.
المرأة الذكية وحدها تستطيع الاستفادة من نفحات رمضان في ضبط إيقاع حياتها، بل الإصلاح الجذري لها، مهما تراكمت فيها المشكلات.. فكيف يحدث ذلك؟
في وقت السحر وبعد أن تنهي المرأة صلاة التهجد، وبعد أن جلست تستغفر الله بخشوع تتذكر قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12]. فالاستغفار ضمان الرزق، والرزق هنا أغلى من المال، إنه الحب والدفء والاحتواء.
في هذا الوقت المبارك ترفع يديها تدعو الله أن يرزقها السعادة وراحة البال، وأن يؤلف بين قلبها وقلب زوجها، ويبارك لها في أبنائها.
ثم تجلس مع نفسها جلسة صغيرة ربما لن تتجاوز الخمس عشرة دقيقة، وتأخذ شهيقًا عميقًا وتفتح أهم ملفات حياتها بصدق شديد؛ فالإنسان لا يملك أن يغير من حوله حتى لو كانوا أولاده، والإنسان الوحيد الذي يملك تغييره هو نفسه، ثم تأتي ردود الفعل من الآخرين.
تتذكر حديث وافدة النساء، وكيف أن الرسول جعل من حسن تبعل المرأة وقيامها بواجبات بيتها وأولادها يعدل الجهاد والحج بعد الحج، وتطلق لمشاعرها العنان فتتخيل كم السعادة والراحة النفسية التي ستعيشها إذا تغيرت حياتها، ودخلت الشمس بيتها فمنحته الدفء والحياة.. إنها بذلك تشحذ إرادتها الداخلية من أجل التغيير المنشود، ثم تقول لنفسها هذه النتائج التي أحياها هي نتيجة منطقية لطرقي ومنهجي في الحياة، وعليَّ أن أتحلى بالقدرة على الصبر والمثابرة، وأن أضع خطتي الجديدة، وقد لا تأتي النتائج مباشرة حتى يعتادني الجميع بالصورة الجديدة بعد التغيير.
تبدأ وقفتها بالتساؤل ما هي نقاط القوة والإيجابية في زوجي؟.. يا إلهي، إنها كثيرة كيف لم أشكرها؟! كيف لم أشكره عليها؟! يا إلهي، لماذا لم أستبدل كلمة شكرًا الباردة المقتضبة التي أقولها حتى لا يستطيع أن يمسك عليَّ خطأ بنظرة حب وعين لامعة وابتسامة ناعمة وحروف تتدفق بالحرارة؟! لماذا لم أفخر به أمام أهلي وأمام أهله بلا مبالغة؟! لماذا أنا بخيلة في منحه المزيد من الثقة في نفسه؟!
لماذا أواجه غضبه بغضب وكلماته الحادة بكلمات أشد منها حدة وأصرخ وأبكي وأشعر بالظلم والمرارة وأحكي لأمي وأخواتي، بل أذهب أحيانًا غاضبة رغم مرور كل هذه السنوات على زواجي؟! هل هذا هو سلوك الزوجة الذكية؟! هل هذا هو سلوك المرأة المؤمنة المحتسبة؟ ألم يقل الرسول عن الصائم: “وإن امرؤ شاتمه أو قاتله، فليقل إني صائم إني صائم”؟ هذا مع الإنسان العادي، فلماذا أتعامل مع زوجي بهذه الندية المقيتة؟ لماذا لا أتنفس بعمق وأردد في أعماقي إني صائمة، إني صائمة؟ لماذا لا أتخيل الرسول وهو يقول: “لا تغضب.. لا تغضب.. لا تغضب”؟!
لماذا لا أحتسبها عند الله تعالى؟ ثم لماذا لا أعترف بأخطائي؟ ماذا لو كنت اعتذرت منذ البداية في هذه المرة التي وصل فيها شجارنا لدرجة أن سمع صوتنا الجيران؟ تخيلي لو أنك وضعت يدك على كتفه في هذه المرة ونظرت في عينيه وبصوت خفيض اعتذرت، ربما كان سيلقي بيدك من على كتفه وربما نظر إليك بغضب.. وربما خرج وتركك وصفع الباب وراءه.. ولكن بالتأكيد كان سيعود إليك، ولن يحدث بينكما ما حدث في هذه المرة من مشاجرة عنيفة امتدت لعدة أيام من الشقاق المر.
تذكري جيدًا هل تحاصريه بأسئلتك أين كنت؟ كم كانت العلاوة الجديدة؟ متى سنخرج للتسوق؟ لماذا تقضي كل هذا الوقت مع أصدقائك؟ لماذا أنت صامت؟.. أسئلتك بنكهة الاتهام! تُحكِمين قيودك عليه! لا تتركي له مساحة من الحرية!!
والنتيجة هارب إلى أهله وأصدقائه، ومتحدث بارع معهم وسجين صامت في بيتك.. تذكري في تلك الجلسة أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- كيف كانت تترك النبي يتحنث في حراء الليالي ذات العدد.. تمنحه حريته -فالزواج ليس قيدًا أو سجنًا- بل تعينه وتُعِدُّ له الطعام، وتذهب بنفسها لتزوده به، ثم هي لا تفرض نفسها على وحدته وعزلته.
ليتك لم تدخلي عليه لتقاطعيه وهو يقرأ في خلوته، ليتك وضعت كأس الشاي الساخن وربت على كتفه بهدوء وأغلقت الباب، هل تخيلت رد فعله لو قدمت له الكتاب الذي كان يبحث عنه منذ فترة ولا يجده في المكتبات؟
آه لو توقفت عن حديثك التقليدي المكرر عن شجار الأبناء وغلاء الأسعار وحكايات الجارات وغيابه الطويل وحظك العاثر ونحو ذلك؛ مما يجعله زاهدًا فيك. تذكري أم المؤمنين أم سلمة ورجاحة عقلها يوم الحديبية، تذكري أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- وحديثها للنبي عند بدء الوحي.. لماذا لا تتغيرين وتغيرين حديثك، شجعيه على الطموح.. التعلم.. حدثيه أحاديث عامة بصورة غير مفتعلة.. استمعي لرأيه بهدوء ودون مقاطعة، ثم ناقشيه أو اسأليه بهدوء أيضًا.. تخيلي شكلاً مختلفًا للحياة.
وأخيرًا وقبل أن تقومي من جلستك هذه، هلا تذكرتي قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187]. هل تعلمين أن إجابة زوجك إلى الفراش واجبة، في حين أن صلاة القيام سُنَّة.. لا أدعوك إلى ترك القيام بالطبع، ولكن أريدك أن تضعي كل شيء في موضعه الصحيح.. هل تعلمين أن معظم خلافات النهار تكون بسبب إحباطات الليل، وأنك تستطعين التحكم في غضبه وانفعاله وغيابه و…و…
لو حققت هذه الفريضة (حسن التبعل) الذي ينبغي أن تكون على رأس أولوياتك، فتسعدين نفسك وتسعدين زوجك، وتجنبين حياتك الزوجية مزالق خطرة، ولكن لا تنسين إن الله يحب الإتقان والإحسان، فعلاقتك الزوجية ما لم تمنحيها من روحك ووهج قلبك، واعتبرتها مجرد أداء واجب لأنك امرأة كاملة لا يعرف الخطأ طريقه إلى نفسك، فإنك بعدُ لم تدخلي عالم التغيير.
المصدر : قصة الإسلام
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن