احذروا خطر تدمير الأسرة في لبنان
تحت ذريعة الدفاع عن حقوق المرأة وحمايتها وتحريرها... دأبت الأمم المتحدة وملحقاتها من اللجان المتخصصة على وضع مشاريع وإصدار قوانين خاصة بالمرأة وكل ما يتصل بها. وإذا نظرنا في مضامين تلك القوانين وجدنا أن لها أهدافاً منها تعميم نمط الحياة الغربية على معتقدات الشعوب وثقافتها، والتعدي على خصوصياتها بإلزام الدول التوقيع عليها ومراقبة تطبيقها، ومن ثم فرض عقوبات على الحكومات المقصرة بذلك.
ولعل أبرز ما يثير العجب اعتبار كل مخالَفة لهوى "أيِّ امرأة" - أو للمستفيدين من انحرافها ومن تشويه فطرتها وتفكيك أسرتها - عنفاً ممارساً ضدها داخل الأسرة.
فمن صور العنف الأسري المقررة في تلك المواثيق:
بالنسبة للفتاة: اعتبار تزويج البنت وهي تحت سن الثامنة عشرة عنفاً على اعتبار أن في ذلك خدش لطفولتها، إلا أن هذا المنع من الزواج لا يعني حرمانها من خدمات "الصحة الإنجابية"، التي تتمثل في إتاحة وصولها لوسائل منع الحمل، وإباحة إجهاضها في حال حصول حمل غير مرغوب فيه ناجم عن "الزنا"، والدفاع عن حقها في ممارسة الشذوذ الجنسي.
وأيضاً اعتبار عمل الفتاة في بيت أهلها عنفاً ممارساً ضدها؛ لذلك تسعى لجنة المرأة في الأمم المتحدة* جاهدة في الضغط على منظمة العمل الدولية كي تدرج عمل الفتاة في بيت أهلها ضمن "أسوأ أشكال عمالة الأطفال"، وبالتالي تجريمه دوليًا.
وفيما يتعلق بالزوجة: فإن مظاهر العنف الممارس ضدها متعددة أيضا، منها: قوامة الرجل في الأسرة التي تعتبر نوعاً من الهياكل الطبقية في إدارة البيت. كما أن اشتراط موافقة الزوج على سفر الزوجة والخروج والعمل تعتبره الوثائق عنفًا وتقييدًا للمرأة. وكذلك تعدد الزوجات يعتبر عنفاً بينما تعدد العشيقات أمر مباح لتعلقه بالحرية الشخصية بحسب عُرفهم. وحق الزوج في معاشرة زوجته إذا لم يكن بتمام رضاها يُعد "اغتصابًا زوجيًا" يستوجب السجن كما ورد في مشروع قانون العنف الأسري المقترح (الذي سأتوقف عند بعض بنوده في سياق هذه المقالة).
أما القيام بدور "الأم" التي هي من أقدس الوظائف على الأطلاق فيعد تمييزًا وعنفًا أسريًا وتكريساً لأدوار نمطية، تستوجب تغييرها من النفوس والنصوص والعمل على توحيد الأدوار داخل الأسرة ليتم اقتسامها مناصفة بين الرجل والمرأة.
إن هذا الشذوذ الفطري والعقائدي والسلوكي الذي تضمنته هذه القائمة الطويلة من محدَّدات العنف، في حال طبقت على النحو المطلوب، سيُحيل حياتنا الأسرية إلى جحيم؛ حيث إنه يكرس مبدأ التصارع فيما بين الأفراد، ويُفقد قائد الأسرة القيِّم عليها سلطته، ويجعل الزوجة نداً لزوجها، ويغذّي روح التمرد لدى الأبناء، وينحرف بفطرة الفتاة القائمة على العفة والحياء، ويُلغي مبدأ التكامل الذي هو أساس الحياة بشكل عام، ومن ثم أساس الحياة بين الزوجين بشكل أخص.
وإن أردنا الانتقال من المربع الأممي إلى المربع المحلي، يستوقفنا في لبنان مشروع "قانون العنف الأسري" الذي أقره مجلس الوزراء في 28 أيار 2010 بموجب المرسوم الوزاري رقم 4116، وهو ينتظر الآن دوره في المجلس النيابي ليصار إلى إقراره، إن لم يتحرك المعنيون بمصلحة الأسرة في لبنان لمنع إقراره لما فيه من بنود خطيرة تطال المرأة والأسرة والمجتمع بشكل عام.
فتحت مسمى "العنف الأسري" يعمل القانون على تمييز الإناث على الذكور من أفراد الأسرة، ويظلم الرجل ويسجن لمجرد أن قام أحدهم بالتبليغ عنه والتشهير به، وتحرم الأسرة من مُعيلها لأسباب كيدية.. وتحت مسمى العنف الأسري يسعى هذا المشروع إلى التعدي على اختصاص المحاكم الشرعية والالتفاف على صلاحياتها، وإحداث تداخلاً بين صلاحيات محاكم الأحوال الشخصية والمحاكم الجزائية.
وعليه، فإن على كل مسلم يؤمن بأن في الإسلام قواعد وقوانين حفظت حقوق جميع الأفراد، وحمَت الأسرة من التفكك، وأغنت الإنسان من إرهاق نفسه ومجتمعه باستصدار تشريعات فيها الكثير من الثغرات الناشئة عن القصور البشري، ويؤمن أيضاً بأن في التمسك بالإسلام حصانة للإنسان من الشقاء في الدنيا باتباع قوانين وضعية قاصرة، ومن العذاب في الآخرة عندما يكون عابداً لله طائعاً لأوامره: (وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسولُه أمراً أن يكون لهمُ الخِيَرةُ من أمرهم ومَن يعصِ اللهَ ورسولَهُ فقد ضلَّ ضلالاً مبيناً)، أن يعمل جادّاً للتصدي لهذا القانون.
ومن هنا قام "تجمع اللجان والجمعيات النسائية للدفاع عن الأسرة" الإسلامية في لبنان، حرصأ منه على مصلحة جميع أفراد الأسرة دون استثناء، بدراسة نص المشروع من النواحي الاجتماعية والقانوينة والنفسية، وأصدر دراسة تفصيلية حوله وضعها في أيدي الجهات المعنية من أجل العمل معاً على حماية الأسرة من التفكك والتشرذم إذا ما طُبِّقت عليه تلك القوانين التي ظاهرها حماية المرأة وباطنها إرادة الشر لها ولعائلتها.
والاعتراضات التي يمكن تسجيلها حول المشروع عديدة منها:
- تجريم الرجل في حال استخدامه لحق التأديب الذي أباحه له القانون ضمن الضوابط.
- فتح المجال لكل من تسوِّل له نفسه هدم استقرار الأُسر بالتقدم بدعاوى من دون الرجوع إلى صاحبة الشأن مباشرة.
- اعتبار كل علاقة زوجية بدون إرادة الزوجة "اغتصابًا زوجياً" أو عنفًا ضد المرأة تستوجب سجن الزوج لمدة قد تصل إلى ثلاث سنوات.
أخيراً، إن أهداف تلك المشاريع التي تُفرض على دولنا الإسلامية أبعد وأخطر بكثير مما هو معلن... وإن الخطورة الكبرى الناتجة عن إقرار هذا المشروع ستدفع ثمنها الأسرة التي يسعى أصحاب تلك المشاريع إلى تغيير هيكليتها في مجتمعاتنا الشرقية لكي تصبح نسخة طبق الأصل عن الأسر المفككة في الغرب، وإلى ضرب استقرارها وتقويض بنيانها، والقضاء على علاقة السكن والمودة والرحمة التي هي أصل الحياة الزوجية...
ـــــــــــــــــــــــــــــ
- تقول البروفسورة كاثرين بالم فورت: "إن لجنة المرأة في الأمم المتحدة شكّلتها امرأة اسكندنافية كانت تؤمن بالزواج المفتوح ورفض الأسرة، وكانت تعتبر الزواج قيداً، وأن الحرية الشخصية لابد أن تكون مطلقة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة