التدخل التركي في الشام.. حقيقة أم وهم؟!
يتأكد يوماً بعد يوم أن التشظي والتفتت في الساحة الشامية السياسية والجغرافية وغيرهما السمة البارزة التي اتسمت بها الساحة على مدى سنوات، فهذا التشظي والتشتت ليس مقتصراً على ساحة الفصائل والجماعات الثورية الشامية، وإنما تمدد واتسع ليشمل الساحة الإقليمية، لقد عجزت دولة، كتركيا، حتى الآن عن حشد وتعبئة الشارع الشامي لصالحها في كل قضية تقوم بها، وهذا يعود بالدرجة الأولى والأخيرة إلى فشلها في إيجاد قنوات تواصل حقيقية وعملية ومستمرة مع نخب الشام الفاعلة على الأرض، بهدف توجيه البوصلة، بحيث تكون هذه الجهود قائمة على المصارحة والوضوح وتقاطع المصالح الكثيرة، والكثيرة جداً، الموجودة، بين الثورة وداعمها التركي الإقليمي.
لم يكن يوماً من الأيام التواصل العسكري بين الدولة الداعمة والثوار على مدى التاريخ القناة الكافية لبناء علاقات صحية وحقيقية تخدم الطرفين، وإنما لا بد من قنوات دعم لهذا الهدف العسكري إن كان على المستوى السياسي والإعلامي والثقافي أو النخبوي بكافة مجالاته، وهذا ما تجلى بشكل واضح أيام الجهاد الأفغاني، فتمكنت يومها باكستان من إقامة قنوات تواصل حقيقية وعملية وواقعية مع النخب الأفغانية، من أجل جمع الكل في بوتقة الثورة والتحرير، وحتى حين تصادمت خيارات باكستان مع حركة طالبان بتعاون الأولى مع 38 دولة للإطاحة بها وتسليم قادتها لم تتصادم الحركة مع باكستان لقناعتها أنها الرئة الوحيدة لتنفسها، وضرب هذه الكلية إعلان عن موت معلن وواضح أبدي للحركة.
ظهر بشكل واضح العجز التركي في حشد الكل أو أكثر هذه النخب في معركة درع الفرات، وهذا يعود بشكل أساسي إلى الافتقار للرؤية التركية الواضحة التي تستطيع من خلالها تسويقها للثورة والثوار والنخب، فضلاً عن الحاضنة الاجتماعية، وإن كان هذا للأمانة يعود إلى أن الساحة الشامية ودعمها أكبر من قدرات تركيا، تجلت باتفاق كل القوى الإقليمية والدولية على معاداة تركيا بشكل مباشر أو غير مباشر، فكان أن تقزمت المنطقة التي وعدت بها تركيا من خمسة آلاف كيلو متر مربع في معركة درع الفرات إلى ألفي كليو متر مربع، بالإضافة إلى اتضاح أن تركيا لم تعتمد على قوة عسكرية حقيقية قادرة على تقديم أداء عسكري مميز في تلك المعركة، تماماً كما لم تستطع إقناع الحاضنة الاجتماعية للثورة الشامية بصوابية الموقف التركي في هذه العملية، وتكلل بالنجاح الناقص لتركيا في عملية درع الفرات، مما انعكس سلباً على أي رغبة في أي تدخل تركي مستقبلاً بالشام.
بكل صراحة وشفافية، كما أن نظام الأسد وصل إلى طريق مسدود بعد سنة أو سنتين على حسم الأوضاع عسكرياً لصالحه، فاستنجد بكل حثالات الأرض من ميليشيات طائفية وقوى إقليمية ودولية، فإن الثورة الشامية اليوم تعاني من حالة انسداد في قدرتها على الحسم، كون دول إقليمية ودولية تدخلت بشكل كامل في الشام، وهو ما جعل عبء إسقاط العصابة الطائفية أكبر من الثورة والثوار، مما يفرض دخول طرف إقليمي لصالح الثورة ليقلب الموازين على الأرض، أو على الأقل يخلخل الأرض الشامية شيئاً ما، وهو ما يفسح مجالاً لهامش تحرك أفضل للثورة والثوار، عبر ضرب الأطراف الدولية والإقليمية بعضها ببعض، وإن لم يحصل هذا الصدام، فإن المظلة الأمنية قد توفرت لأكثر من خمسة ملايين شخص يعيشون في محافظة إدلب تقريباً من أهل المحافظة أو من المهاجرين المشردين إليها، منعاً لتكرار سيناريو الموصل والرقة وحلب وغيرهم من التكرار.
لا مجال أمام الثوار على الأرض، بكافة أطيافهم، إلا التعاون والتنسيق على المستوى العسكري، ولا مجال أمام تركيا إلا مصارحة ومشاركة القوى السياسية والعسكرية والنخبوية الشامية بشيء من مشروعها، لعلنا نستطيع أن نقيم مشتركات أقوى وأمتن بين الطرفين، ولا مجال أمام القوى الثورية إلا أن تتفرغ للعمل العسكري وتفرعاته مع تشكيل جسم سياسي موحد، من أجل استثمار الانتصارات العسكرية على الأرض، ومنعاً لتجيير الآخرين لها لمصالحهم ومكاسبهم، وإلا فستغدو الفصائل العسكرية بلا مخ سياسي، وأقرب ما تكون إلى قطاع طرق.;
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة