إدمان الأجهزة الذكية عند الأطفال
كتب بواسطة تسنيم الرنتيسي
التاريخ:
فى : تحقيقات
1820 مشاهدة
ما إن تستيقظ "أم أمجد" من نومها حتى تجد طفلها ذا الثلاث سنوات قد أخذ هاتفها النقال الموصول بشبكة الإنترنت خِلسةً ليتابع بعض الفيديوهات المفضلة عنده أو التي يقترحها عليه اليوتيوب.
وتقول "أم أمجد" أن طفلها أصبح أكثر براعةً منها في التعامل مع هاتفها بما يتضمنه من تطبيقات رغم صغر سنه، مؤكدةً أنه يلاحقها في استخدامه ويستغل أوقات انشغالها ويُلح عليها بطلبه وإن رفضت يستمر في البكاء والتصرف بعنف حتى تخضع لطلبه لتهنأ ببعض الراحة والهدوء.
وتشكو من تعلق طفلها بهذا الجهاز لدرجة أنه يرفض اللعب مع أقرانه، ولا يقبل الذهاب معها إلى الزيارات العائلية، قائلةً: "إنه وباء ومصيبةً كبيرة ويمكن أن نسميه مرض العصر فهو أفقد أولادنا طفولتهم"، متمنيةً بأن تجد حلاً من أصحاب الشأن وترك حالة العشق اللامنتهية التي جمعت طفلها بهاتفها النقال.
أسباب الإدمان
من جهته، يقول المرشد التربوي صالح كباجة في حديثٍ لـ"بصائر": "إن الأسباب التي تدفع الطفل للوصول إلى مرحلة الإدمان في استخدام أجهزة الجوال هي عدم وجود متابعة كافية من الأهل حيث يُترك الطفل لفتراتٍ طويلة دون توجيه أو متابعة، وبالتالي يُصبح هناك حالة من التوحد ما بين الطفل والموبايل وتكون النتيجة سوء في تربية الطفل من قِبل الوالدين؛ وذلك بسبب انشغالهم عن الأبناء وشعور الطفل بأن الموبايل هو عالمه الوحيد".
صالح كباجة: لابد من تنظيم الوقت المحدد لاستخدام الهاتف، وذلك بعد القيام بالواجبات المنزلية المطلوبة وأخذ قسط من الراحة بحيث لا يعيق استخدامه ممارسة الأنشطة الحياتية، مع ضرورة إشغال الطفل بعدد من الأنشطة والهوايات المختلفة مثل: القراءة والرسم وغيره
أعراض إدمان الطفل الفعلي
وأوضح أن أعراض إدمان الطفل الفعلي على أجهزة الموبايل تتمثل في انشغال الطفل باستخدام الأجهزة طوال الوقت، مشدداً على أن أخطر قضية من وجهة نظره هو أننا أوجدنا طفلاً معزولاً ومنطوياً وشخصيته مهزوزة من الداخل؛ لأنه يعيش في عالم افتراضي وخيالي . وضف على ذلك عدم التركيز والانتباه والتوتر والعصبية، منوهاً إلى أن هناك من الأطفال من يلجأ لإيذاء نفسه من خلال تقليد ما يراه وقد تصل الأمور به إلى الموت، على حد وصفه.
وأردف كباجة قائلاً: "ومن الأعراض أيضاً الشعور بالقلق والاكتئاب وعدم الراحة وفقدان الاهتمام بالأنشطة اليومية والحركية وقلة التواصل الاجتماعي".
التأثير على صحة الطفل النفسية والجسدية
وحذّر كباجة من عواقب وسلبيات إدمان الطفل على أجهزة الجوال وتأثيرها على صحته النفسية والجسدية، مشدداً على أنها تؤثر سلباً على تفاعل الطفل اجتماعياً ولغوياً ونفسياً، وتجعله يميل للعزلة الاجتماعية، وإهمال الواجبات المدرسية، والتعرض لرؤية المواقع الإباحية والغير أخلاقية، وإهمال العبادات والجوانب الروحانية، وزيادة مستوى القلق والتوتر والاكتئاب والميل للعدوانية.
وأضاف" كما تعمل على إحداث تلف في خلايا الدماغ، بالإضافة إلى تأثيرها السلبي على حاسة السمع والبصر والجهاز العصبي، وزيادة خطر الإصابة بالسرطان، وعدم القدرة على التواصل الاجتماعي والشعور بالنقص، وإهمال الأنشطة الحركية والهوايات اليومية اللازمة لتحقيق النمو السليم للطفل".
ما هو السن المناسب؟ ونوعية الهاتف؟
وحول السن المناسب لاقتناء الجوال، بيّن كباجة أنّه لا يمكن تحديد سن معين لاقتناء الجوال؛ لأن الأمر يتوقف على مدى احتياج الطفل له، وتقدير الآباء لدرجة نضج الطفل وقدرته على تقدير قيمة الجوال واتباعه التعليمات المناسبة .
وذكر كباجة أن الطبيب النفسي "فلوريدا" قدّر أنّ حاجة الطفل للجوال تبدأ من سن ١١ -١٤ سنة، عندما يبدأ الطفل بالتنقل بمفرده لأماكن مختلفة.
أمّا بالنسبة لنوع الهاتف فقد قال كباجة: "إنّ بعض الخبراء أوصوا بأن يكون الهاتف لمن هم دون سن الخامسة عشر سنة مجرد وسيلة للتواصل عبر المكالمات، أما في حال اقتناء نوعية حديثة أخرى فلا بد من وضع الضوابط المناسبة للاستخدام من قِبَل الآباء".
أمور يجب مراعاتها للمحافظة على سلامة الطفل
وحول مدى إمكانية منع الأطفال من استخدام أجهزة الموبايل منعاً قطعياً بأي شكلٍ من الأشكال، أكد كباجة على أنه لا يمكن فعل ذلك في خطوةٍ واحدة ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار بعض الأمور العامة للمحافظة على سلامة الطفل ومنها:
1- تحديد وقت معين لاستخدام الجوال وضرورة الالتزام به من خلال متابعة الأهل بشكلٍ مستمر.
2- الجلوس بجانب الطفل وتوضيح أن ما يراه هو نوع من التمثيل وليس حقيقي حتى لا يقوم بالتقليد، مع ضرورة عدم ترك الطفل وحيداً أثناء استخدامه للجوال.
3- الإجابة على تساؤلات الطفل بشكلٍ مستمر وضرورة انتقاء الإجابة الصحيحة وعدم الاستهتار بها وإنما جعلها محط اهتمام.
4- ضرورة توجيه الطفل لبعض البرامج الدينية الهادفة مثل: حياة الصحابة رضوان الله عليهم.
5- استخدام السماعات حتى لا يضع الجوال بالقرب من عينيه.
6- عدم استخدام الجوال أثناء تناول الطعام أو بحضور ضيوف أو خلال رحلة أسرية.
7- عدم ترك الجوال في غرفة نوم الطفل حتى لا يكون سبباً لسهره.
8-حظر المواقع الإباحية وجعل المحفوظات مواقع تربوية هادفة.
9- ضرورة استخدام الجوال مع إخوانه حتى لا يكون معزولاً عن بيئته.
حلول مقترحة
وفيما يخص الحلول المقترحة لمشكلة إدمان الهاتف المحمول عند الأطفال، أشار كباجة إلى أنه لابد من تنظيم الوقت المحدد لاستخدام الهاتف، وذلك بعد القيام بالواجبات المنزلية المطلوبة وأخذ قسط من الراحة بحيث لا يعيق استخدامه ممارسة الأنشطة الحياتية، مع ضرورة إشغال الطفل بعدد من الأنشطة والهوايات المختلفة مثل: القراءة والرسم وغيره.
وتابع "كما يجب تجنب استخدام الهاتف أثناء المذاكرة وتناول الطعام ووقت الاجتماع الأسري، واستخدام الألعاب الإلكترونية بصورة محددة وقليلة والعمل على متابعة نوعية تلك الألعاب، بالإضافة إلى عدم اصطحاب الهاتف أثناء الخروج بنزهة ترفيهية مع الأهل أو الأصدقاء، مضيفاً أنه يجب إغلاق مواقع التواصل الاجتماعي بعض الوقت لتقليل خطر الإدمان عليها".
واسترسل" يجب أيضاً توجيه الطفل لضرورة إبعاد شاشة الهاتف عن العينين بشكلٍ مناسب وغير مضر للنظر، وإغلاق الهاتف قبل النوم وإبعاده عن الوسادة لتجنب أي تأثير سلبي على الدماغ".
الطفل كالصفحة البيضاء
د. درداح الشاعر: يجب على الوالدين أن يكونا قدوةً حسنة لطفلهم، فالطفل يقتدي بأعمال والديه أكثر من أقوالهما وتوجيهاتهما، فهل من المعقول أن تحذّر طفلك من أن يصبح أسيرًا لآيباده وهو يراك لا تعتق آيفونك؟!
من ناحيته، قال الدكتور درداح الشاعر الأخصائي الاجتماعي: "إن الطفل بطبيعته يحب اللعب والحركة المستمرة، ولا شك في أن إرهاق الأم طوال اليوم يجعلها تفضل أن يجلس ابنها هادئاً ويلهو بجهازه الذكي، على أن يُسبب ضجيجاً في البيت، لكن الأمهات قد لا يدركن الآثار السلبية الناتجة عن ذلك حيث يتحول الأمر من مجرد مشاهدة عادية إلى إدمان شديد".
وأضاف أن الطفل الذي يقضي وقتاً طويلاً مع «الآيباد» أو الجوال يصبح دوره غير فاعل في الأسرة، إذ إنه لا يشاركها ولا يتفاعل معها، وبالتالي تضعف علاقته بمفهوم الأسرة ، لافتاً إلى أن الطفل مثل الصفحة البيضاء يكتسب ما يكتب فيها، لذا يجب مراقبة ما يشاهدونه على هذه الأجهزة".
أهمية التعاون بين المؤسسات الاجتماعية لتحقيق العلاج
وأكد الشاعر على أن العلاج من الإدمان على الأجهزة الذكية لدى الأطفال ليس مستحيلاً، إذ يمكن أن يتحقق من خلال التعاون بين مختلف المؤسسات الاجتماعية مثل المنزل، والمدرسة، ووسائل الإعلام وغيرها، في ضبط أوقات الأطفال وذلك كي يعرف الطفل أنه بانتهاء هذا الوقت تنتهي حصته من اللعب ويكون عليه الانتقال إلى أداء أحد الواجبات أو ممارسة نشاط مختلف، ويجب على الوالدين أن يكونا صارمين في هذا الأمر؛ فسوف يواجهان حتمًا رفضًا من الطفل لهذا الأمر يصل إلى حد البكاء.
وتابع "كما يجب توفير البديل حيث لا يمكن منع الطفل بسهولة من اللعب على جهاز أحبه دون توفير بديل مناسب ومقنع ومغرٍ، لكي يرى الطفل معه أنه لم يعاقب من دون سبب وإنما تم تنويع اللعب والترفيه لديه من طريقة إلى أخرى، ولعل أفضل ما يمكن توفيره في هذا السياق الألعاب التي تعتمد على الذكاء وتحضر فيها مهارات التركيب، وكذلك الألعاب التي يشترك فيها مع أطفال آخرين، مثل شد الحبل وغيرها من الألعاب التشاركية".
أنشطة بديلة لجذب اهتمام الطفل بعيداً عن الجوال
وأردف قائلاً:" كما يجب على الوالدين أن يكونا قدوةً حسنة لطفلهم، فالطفل يقتدي بأعمال والديه أكثر من أقوالهما وتوجيهاتهما، وهل من المعقول أن تحذّر طفلك من أن يصبح أسيرًا لآيباده وهو يراك لا تعتق آيفونك؟!"
وقدّم الشاعر مجموعة من الطرق البديلة التي يمكن للوالدين استغلالها لجذب اهتمام الأطفال بعيداً عن الجوال حتى لا تتحول علاقتهم بهذا الجهاز مع مرور الوقت إلى علاقة إدمان، وذلك عبر تعليمهم تصنيع السيارات والدمى والأشكال الهندسية من الورق المقوى، أو الدهان بالأصابع، أو بناء قلعة من الوسائد والبطاطين والأغطية، وتعليمهم الفن التلصيقي، أو تكليفهم بجمع وتنسيق تشكيلة جوارب مختلفة الألوان، وتكوين قلعة من صناديق مصنوعة من الورق المقوى، أو تعليمهم ترتيب كتبهم الخاصة على الأرفف من حيث الحجم أو الموضوع أو اللون، أو تعليمهم أساسيات الكتابة على الحاسوب وتدريبهم على اختيار النص وتغيير الخطوط والألوان والأحجام.
المصدر : موقع بصائر
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة