مستشار في العلاقات الزوجية وكاتب المتخصص في هذا الموضوع ، حصل على ليسانس اللغة العربية وآدابها من جامعة حلب 1971، ثم على دبلوم التربية من جامعة دمشق 1972، ثم على دبلوم الدراسات العليا من جامعة عين شمس في القاهرة عام 1974 . عمل في الصحافة الكويتية وكان مديراً لتحرير عدد من المجلات الأسبوعية والشهرية، منها مجلة (( النور )) التي ما يزال مديراً لتحريرها منذ عام 1983 صدر له أكثر من ستين مؤلفاً، معظمها في المرأة والأسرة، مدير مركز ثوابت للاستشارات الزوجية، ألقى عشرات المحاضرات وسجل مئات الأحاديث في الإذاعة والتلفزيون ومعظمها في قضايا الأسرة والمجتمع .
نهاية بخيل
كتب بواسطة الأستاذ محمد رشيد العويد
التاريخ:
فى : قصص
4357 مشاهدة
عرفته من أكبر تجار الذهب بالإسكندرية صاحب محلات بشارع السكة الجديدة.
كنت في منتصف الثمانينيات صديقا لأصغر أبنائه الأربعة.
كان رجلاً بخيلاً وشديداً علي أهل بيته ، يحكم قبضته علي حركة أبنائه ويعُد عليهم أنفاسهم.
لم يكن بخيلا في المال فقط ، بل حتى بخيلا في الكلام .. في المشاعر .. في الابتسام ..
كان قصيراً نحيلاً نافر العروق، وكان وجهه جامداً بارداً كأنه يلبس قناع .
وكان تقتيره علي أبنائه بادياً في ملابسهم الرثة ، وكتب الدراسة المستعملة التي يستخدمونها.
كبر سنّ الرجل وضعفت قوته وتراخت عن أبنائه قبضته، ولم تعد قواه البدنية والذهنية تسعفه في إدارة تجارته.
تولي ابنه الأكبر إدارة محلات الذهب، وبدأت مغاليق الخزائن تفتح أبوابها، وبدأت الزوجة والأولاد يمسكون في أيديهم الأموال ، تغيّرت حياتهم ، أحسوا أنهم في سباق لتعويض ما فاتهم من حرمان.
بدأ الأولاد ينفقون ببذخ على ملابسهم وحياتهم الخاصة.
أما الأم التي أسَّرَتْ لي يوما أنهم كانت تمر عليهم أياما لا يذوقون من الطعام إلا العسل الأسود (عسل قصب السكر)، فقد بدأت تعوّض ما فات في الإنفاق ببذخ على الطعام.
الرجل الذي صار حبيس البيت بعد أن أصابته الشيخوخة بأمراضها ، بدأ ينظر بعينيه إلي أمواله التي ينفقها أهل بيته.
أدرك الرجل أنه خرج من حياته بصفقة المَغْبُون ، فقد حرم نفسه متع الحياة الحلال وهو قادر عليها بأمواله وصحّته وعافيته ، ولما أراد أن يعوّض ما فاته من متع ، وجد ماله ... ولكن ؛ لم يجد معه الصحة والعافية ... فأي فائدة ..؟!
حاول أن يشارك زوجته وأولاده متعة الإنفاق التي حرم نفسه منها طول عمره ... ولكن فيم ينفق .؟
هل ينفق على الملابس. ؟
أين يلبسها وهو حبيس البيت.!
هل ينفقها على نزهاته وأسفاره .؟
لقد خارت قواه ولم يعد يقوى على الحركة والسفر .
هل يجتمع مع أصحابه على المقهى .؟
لم يفعلها يوما خشية الإنفاق .. كما أن البخل لم يبق له صديقاً.!
إذاً .. فيم ينفق ليعوض ما فاته..؟؟!!
أفرغ كل حرمان السنين فقط في شهوة الأكل.
كان يأكل فوق طاقة معدته الضامرة وجسده النحيل ، ويظل يأكل ويأكل حتى تفيض معدته ويتقيأ ويتقزز منه زوجته وأبناؤه.
أصبحوا يعطونه مقادير محددة من الطعام ويخفون الباقي ... آذاه هذا التصرف ، وازدادت عصبيته ، وزاد نهمه لطلب الطعام .
كان يغافل أبناءه ليلاً ويدخل المطبخ ليفرغ ما في الأواني في معدته ، ويأكل و يأكل .. ثم يتقيأ .
صنع الأولاد قفلا للمطبخ والثلاجة .
ازداد هياجه ، ولم تعد الحياة معه تُطاق .
وكانت النهاية : خَرَفٌ وانفرادٌ ووحشةٌ في دارٍ للمسنين .
إنها نهاية رجل بخيل ..
كلما تذكرتُهُ تذكرت معه قول سيدنا "علي بن أبي طالب":
(عجبت للبخيل ، استعجل الفقر الذي منه هرب ، وفاته الغنى الذي إياه طلب ، يعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء.)!!
المصدر : رابطة العلماء السوريين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة