جعنا وانتحرنا وما زالت العصابة حاكمة.. ماذا جنى اللبنانيون بعد عام على ثورة تشرين؟
كتب بواسطة هانم جمعة
التاريخ:
فى : آراء وقضايا
1108 مشاهدة
"الثورة سرقها الزعران"، "إنه الحلم الذي لم يتحقق"، "ضاع وطني هاجر الشباب وبقي اللصوص"، "ثورتنا مكملين"، "ليش فشلت الثورة".. بهذه العبارات وأكثر كتب اللبنانيون عن ذكرى ثورة 17 تشرين على وسائل التواصل الاجتماعي، هي الذكرى التي لم يأبَ اللبنانيون أن تمر مرور الكرام مهما أصمت الحكومة آذانها، وتغافلت عن مطالب شعبها ودم الشهداء.
ليلة 17 تشرين 2019 لم تكن ليلة عادية بل مهرجاناً شعبياً مليئاً بالفرح والأمل، مهرجان كسرت فيه أصفاد الخوف، نزل غالبية الشعب الصامت المغلوب، وصدحت الحناجر بالكلمة الشهيرة: "كلن يعني كلن"، أمام ذهول العالم أجمع.
الجميع يعرف أن رموز النظام الفاسد بأموالهم ومافياتهم كانوا يرتعدون رعباً داخل قصورهم المشيدة وقلوبهم تكاد تخرج من صدورهم، فهم أمام لحظات حرجة إما أن تكتب نهايتهم المأساوية أو ولادة جديدة صلبة، لكنهم أحكموا قبضتهم، وأخرجوا أوراق لعبهم الماكرة، فمرة لعبوا على ورقة الطائفية، ومرة على ورقة الجيش والشعب، ومرة تراشق الاتهامات، ومرة نظرية المؤامرة العالمية، وضعوا السمّ في الإعلام ثم بدأوا في حملات الاعتقال والضرب والقتل.
ورغم صغر حجم لبنان فإنه يحظى بنظام سياسي متشابك معقد متجذر في الدولة حتى الصميم الأقوى والأذكى، فهو مرتبط بالطائفية، ولا يوجد رجل واحد في الواجهة ولا يوجد فاسد واحد ولا اثنان ولا ثلاثة بل عصابة! عصابة سلبت البلد أمواله وثرواته، بل أحلام شبابه أيضاً! وخلفته شبه بلد، شبه وطن، ما عاد بوطن بل خرابة يتلاعبون بها وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.
لست هنا من أجل نعي الثورة وإعلان الحداد، ولا حتى لإعلان انتصار كاذب، لكن لأجل النظر بواقعية وتحليل الأحداث والتمحيص، فهناك الكثير من الثغرات والكثير من النضال، لكن الأمل دائماً موجود، وهو حاضر ما دامت هناك روح وحياة.
لعل انهيار الوضع الاقتصادي وتفاقم أزمة الدولار وإصابة لبنان بفيروس كورونا وتداعيات الحجر والغلاء.. كلها عوامل عملت ضد الثورة، فبات الشعب تماماً كمن يحارب بصدر عارٍ، لقد فقد الكثير من اللبنانيين أرزاقهم نتيجة الأزمة الاقتصادية، وانخفضت قيمة المرتبات حتى باتت لا تصل إلى حافة المئة دولار، وازداد الخناق على اللبنانيين الذين تراكضوا خلف أرزاقهم ومعيشتهم وبقي الزعيم مع حاشيته في قصره مبتسماً ضاحكاً.
لقد عرَّتِ الثورة الوضعَ اللبناني على حقيقته، كسرت هيبة رموز الفساد لا بل أهانتهم وطالتهم الشتائم حتى وصلت فضيحتهم إلى الخارج، لقد عرف العالم كله حقيقتهم، وخسروا احترامهم أمام الصحافة العالمية وشعوب العالم. الحقيقة أنهم مجرمون فاسدون، وستظل مزابل التاريخ مأواهم على عدد اللعنات التي تطالهم يومياً.
لقد كشفت الثورة عن لبنان واللبنانيين أيضاً، فسويسرا الشرق تفوح منها رائحة الفقر ويلفها العنف ويغمرها الفساد، فاللبناني يذوق الأمرَّين ليجد لابنه مقعداً في المدرسة، ويموت الكثير من المرضى على أبواب المستشفيات. واللبنانية تُعنف وتُسلب حقوقها في المحاكم أمام سلطة الرجل، والشاب يترك والداه عند الكبر ليبني مستقبلاً في الخارج، مظاهر الترف والرفاهية والحرية الكاذبة التي ظهرت على اللبناني طوال عقود أسقطتها الثورة أيضاً، خاصة عندما شاهد العالم الثلاجات الفارغة على وسائل التواصل، وعندما ارتفعت نسبة الانتحار نتيجة الديون والعوز، فأين ذهب الفرح يا لبنان؟
مرحباً بكم في عالم الواقع، إنه العالم البعيد عن مستحضرات التجميل وتصفيفات الشعر وبرامج الغناء والصور، إنها الحقيقة داخل الأزقة هناك في حي التنك في طرابلس، في شوارع بيروت التي تغمرها النفايات والمدن القديمة المتعبة، حيث العائلات تفترش الأرصفة وتسكن تحت الجسور، هناك تحديداً طفل يبكي وامرأة تبحث عن طعام لا عن عطور أو منتجات تجميلية فاخرة. تتزايد الجريمة يومياً حتى حدث ما هو أنكى وأمرّ انفجار بيروت الذي قضى على آخر جميل في هذا البلد المتعب.
اليوم بعد مرور عام على الثورة لم ترحل رموز النظام بل ازدادت صلابة حتى أمام العقوبات الخارجية والمبادرات التي لاحقت انفجار بيروت، لكن في المقابل هناك في صالات المطار ألف دمعة وداع يومية، وعناق طويل يكاد لا ينتهي، لكنه انتهى مع آخر جثة شاب سقط في انفجار بيروت. مئات الشباب المغادرين وآلاف طلبات الهجرة في أدراج السفارات تنتظر الدراسة، ومن تقطعت بهم السبل يلجؤون إلى البحر.. البحر الذي يلاقي تعساء الحظ من المهاجرين منذ قرون طويلة.
عنوان المرحلة الحالية هو الهجرة، الرحيل بعيداً عن ملوثات هذا البلد البائس فلا النفس ولا القلب ولا حتى الروح تجد ضالتها. لقد توقفت الأرض عن الدوران تحديداً في لبنان، فعجلة الحياة قد أثقلت أحمالها على بقعة جغرافية تسمى لبنان، الذي لم يعد يحتمل الصراع، لذلك سيهاجر اللبناني بكل ما استطاع من قوة علَّه يجد وطناً بديلاً.
يستيقظ اللبناني يومياً ليعد نفسه لمفاجأة متوقعة، حدث أو حتى كارثة، ربما في الطريق أو العمل أو حتى في السوبر ماركت أو الصيدلية، فالفساد لم يقتصر على الطبقة الحاكمة بل كل مَن سوَّلت له نفسه أن يسرق وكانت الفرصة أمامه سيسرق، ويحتكر، ويستغل الظروف الصعبة، فتجار الأغذية لم يرحموا الشعب فارتفعت الأسعار، وغابت اللحوم عن أطباق اللبنانيين وحتى الخضار بات ثقيلاً على جيوبهم، وللدواء حكاية أخرى يرويها أصحاب الأمراض المزمنة، فما عادوا يجدون أدويتهم في الصيدليات كأدوية السكري والضغط والقلب ولا أحد يعلم السبب.
أهلاً وسهلاً بكم في غابة الوحوش، القوي يأكل الضعيف، وطالما السرقة مباحة فلنسرق جميعاً، طالما أن هناك سارقاً كبيراً يحمي أتباعه من السارقين الصغار.
الحالة المأساوية التي وصل لها لبنان بعد مرور سنة على الثورة تدعي التفكير في أنفسنا وفي سلوكياتنا وحياتنا، فحالة الخوف والهلع من انقطاع السلع والدواء أدت إلى سلوكيات لا أخلاقية ولا إنسانية كشراء كل المخزون أو الشجار وحتى لجوء البعض إلى السرقة، فإلى متى سيصمد لبنان على هذا الحال؟ ومتى سنرتقي بالوطن؟
"لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فقبل تغيير الزعيم والقائد والرئيس علينا أن ننظر إلى أنفسنا ونقوّم أخطاءنا، ونرتقي بتفكيرنا، نتقبل الآخر ونربط على أنفسنا وقت الأزمات ونتحد.
لعل الثورة لم تنتهِ بعد، لعلها ضاعت خلف دهاليز المؤامرات الخارجية والعصابات الداخلية ولعل جائحة كورونا وما تلاها من أزمات أعاقت الثورة قليلاً لكنها بالطبع لن تنتهي ولن تموت بل ستعود يوماً ما إلى الواجهة.. فلا كتب الاجتماع ولا السياسة والفلسفة تفقه أدب الثورات بقدرنا نحن الشعوب المظلومة! فنحن مَن نضع قواعد الثورة وتعريفها وأنواعها، ونحن سنجدها ونرفع شعارها قريباً. طالما لم ينتهِ الظلم والقهر في هذا الوطن.
المصدر : عربي بوست
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة