فجرُ النصر في سورية… يومٌ طوى صفحةَ الطغيان إلى غير رجعة
إنّ تحوُّلَ فردٍ من ضلالٍ إلى صلاحٍ مُؤذِنٌ بفرحٍ يملأ قلبَه، وإنّ انتقالَ أسرةٍ من فوضى الضياع إلى استقامةٍ سببٌ لتَشيعَ البهجةُ في أركانها؛ فكيف إذا تبدّل حالُ بلدٍ بأكمله، بل وامتدّ تأثيره إلى منطقةٍ بأسرها، بعد عقودٍ طويلةٍ سوّدتها ليالي الظلم، حتى بدا للناس أنّ الفجر لن يبزغَ أبدًا!
كيف وقد سالت دماءُ الأطفال بين الأنقاض، وتأججت نيرانُ السجون في وجوه الأبرياء، وشُرّد نصف الشعب، ليبني الطاغية – الذي سطّرَ اسمَه في سجلّ الإنسانية بلون سوادٍ لا مثيل له – فوق دمائهم أسوارًا من الخراب والرعب؟
ثم شاء الله أن ينقلبَ المشهد… شاء الله أن تنهض الثورة السورية العظيمة، ثورة الأحرار، فتدوس بأقدامها عروشَ الطغيان وزبانيته، وتُذيب ظلم الظالمين كما يذيب وهجُ الشمس الجليد، وتجعلهم عبرةً يتناقلها التاريخ لتبقى درسًا للأمم.
يا لها من فرحةٍ! تُواسي المكلومين، وتعزّي قلوبَ الخنساوات السوريّات اللواتي فَقَدْن فِلذات أكبادهن، وتسري في صدور السوريين نسمةَ حياةٍ بعد اختناق طال أمدُه.
فرحةٌ تُنعش قلب كلِّ مسلمٍ على هذا الكوكب، وقد انقشع حكمٌ جَثَم على صدور العباد لأكثرَ من نصف قرن.
وها هو الشعب السوري _ ومعه قلوبُ المسلمين كافّة_ يحتفلون بالذكرى الأولى لانتصار الثورة العظيمة، يذكرون مِنّة الله تعالى الذي أنقذهم وسحق عدوّهم وساقَه إلى مزابل التاريخ، يفرُّ كما تفرُّ الجرذان إلى حُفَرها في أبشع صورة من صور المذلة والامتهان..
يا فجرَ نصرٍ لاحَ في أُفُقِ الدُجى... فتدلّتِ الآمالُ من عليائِها
وتنفّسَتْ أرضُ الشآمِ بطُهرةٍ ... ومضتْ تُبدِّدُ ليلَهم بضِيائِها
الحمد لله كثيرًا على مَلحمةٍ خالدة، وأسطورةٍ صاغتها دماءُ رجالٍ غير هيّابين، آمنوا بربهم ثم مضَوا لا يلتفتون.
رجالٌ كتب الله لهم أن يشهدوا فجرَ النصر يتلألأ على جبين سورية، يشقّ عَتْمتَها، ويرفع رأسها إلى السماء من جديد.
هنيئًا لأحرار سورية، ولأحرار العالم، بهذه الذكرى المباركة بعد مَخاضٍ دام عقوداً.
ألا فلْيفرَحْ القلبُ الذي اندملتْ جِراحه بيومٍ من أيام الله، ولْتطرَبْ النفس بعجيب صُنع الله، وليثقَ الناسُ أنّ وعد الله حقّ، وأنّ وعد المُرجِفين الذين ما فتِئوا يَبثُّون تحليلاتهم على وسائل الإعلام زَيفاً وكذباً. وليؤمن الناس أنَّ الحقّ_ مهما ضَعُف وحُورب_ قاضٍ على الباطل لا محالة.
إن هذا اليوم يحمّلُ السوريين أمانتَه الكبرى: الثباتَ على وحْدَتهم، والحذرَ من المتربّصين ببلادهم، وأن تبقى ثقتُهم بربّهم الذي وهبَهم هذا النصر ثقةً لا تزعزعُها العواصف.
تحمّلهم ذكرى الثورة ألَّا يميلَ بهم الهوى، ولا يُغريهم بريقُ النصر فيَضِلوا الطريق.
وتحمّلُهم هذه الذكرى أمانةَ الأقصى الذي يرنو إليه المسلمون بعيونٍ دامعة… ولاسيما أنَّ أهل غزة سُقوا من الكأس ذاته الذي ذاقه أهلُ سورية، فهم صنوانٌ في الألم، وصنوانٌ في الكفاح، وسيكونون_ بإذن الله_ صنواناً في النصر، وإنْ تأخّر أحدهما عن الآخر.
وليُدرِك الفرِحون اليوم أنَّ الجنديَّ لا يُلقي سلاحه ما دام للحق معركة، وأنَّ أفراحنا أفراحُ مستريحٍ لا مستقيـل، وأن الفرح الأكمل يوم نصلّي في الأقصى حقيقةً، لا كما كان يزعم الذين باعوا القضية وباعوا الشرف عقوداً..
فالفرح القادم، بإذن الله، أن نصليَ في الأقصى كما صلّينا في الأمويّ.
اللهم لك الحمد كثيراً على نعمة الشعور بقوتك وبصدق وعدك وبعجيب صُنعك.. اللهم لك الحمد أنْ أحييتنا لهذا اليوم الذي هو يومٌ من أيامِك فكنّا شهودَ نصرك، نشهد فيه عزَّنا بدِيننا، وذلَّ أعدائنا.
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا.
﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"




فجرُ النصر في سورية… يومٌ طوى صفحةَ الطغيان إلى غير رجعة
الذكاء الاصطناعي والإفتاء عند الشباب المسلم المعاصر
الانتماء الوظيفيّ مقاربات في سُبل تنميته، وانعكاساتُه على بيئة العمل
المرأة والفتن الإعلامية… وعيٌ إيماني في زمن السوشيال ميديا
الإنسان كما يريده القرآن ـ الجزء الحادي عشر