حقوق الجار
لقد أمر الله تعالى في محكم تنزيله بالإحسان إلى الجار فقال:﴿... والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب...﴾[النساء:36].
وكذلك رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم الذي قال:"ما زال جبريل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورِثه".
والمسلم الحصيف الواعي أحكام دينه أحسن الناس معاملة لجيرانه، وأكثرهم برّاً بهم، وحدباً عليهم. فهو يعي أنه يترتب عليه حقوق تجاههم لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار. فحقٌ عليه:
* أن يتحرّى حاجة جاره:
وخير دليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائعٌ إلى جنبه وهو يعلم" وأيضاً:"ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع".
* وأن يكون حسن العشرة معه:
فعلى المسلم أن يوثِق علاقته مع جاره ويقيمها على أساس ثابت من المودّة والبرِ والتكافل. فعليه أن يكون لطيف العشرة مع جيرانه طيِب المعاملة معهم وسواء أكانوا مسلمين أم لا ذلك أنّ سماحة الإسلام تمتدّ وتتسع لتشمل الناس جميعاً، على اختلاف أديانهم، مع ضرورة التنبُه إلى أن الأدب وحسن العشرة غير الموالاة والمودّة اللتين لا يجوز للمسلم أن يعطيهما إلا للمؤمنين. هذا وقد قال عليه الصلاة والسلام:"الجيران ثلاثة: جارٌ له حقٌ واحد، وهو أدنى الجيران حقّاً، وجارٌ له حقّان، وجارٌ له ثلاثة حقوق. فأمّا الذي له حقّ واحد: فجارٌ مشركٌ لا رحم له، له حقّ الجوار، وأما الذي له حقّان: فجارٌ مسلم له حقّ الإسلام، وحقّ الجوار. وأما الذي له ثلاثة حقوق: فجارٌ مسلم ذو رحم، له حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم". والحديث ضعيف ولكنّ معناه صحيح.
* وعليه أن يعامل الجيران بالمعروف:
وإنّ من حسن الجوار معاملة الجيران بالمعروف فلا تحقرنّ جارةٌ معروفاً أسدته إليها جارتها، ولو كان هذا المعروف قليلاً، بل ينبغي أن تشكرها عليه، لأنّ هذا القليل عند الله هو كثيرٌ طيِب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا يشكر الله من لا يشكر الناس".
* وأن يقدِم في إحسانه إلى جيرانه الأقرب فالأقرب:
فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلت يا رسول الله،إنّ لي جارين فإلى أيِهما أهدي؟ قال:"إلى أقربهما منك باباً" رواه البخاري.
* وأن يتجنّب أذيّة جاره:
ذلك أنّ الإثم مع الجار أشدُ وقعاً، وأقدح جريمةً من سواه، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حذّر من مخاصمة الجيران بقوله:"أوّل خصمين يوم القيامة جاران" رواه أحمد وضعّفه الحافظ العراقي، وقال أيضاً:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره...".
* وألاّ يقابل إساءة جاره بمثلها:
بل يصبر على أذاه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ويدعو الله أن يهديه عسى أن يرعوي في نفسه ويكفّ الأذى حين يرى جاره لا يقابل سيئة يمثلها، بل يتجمَل بالصبر والحلم، وهذا من أسمى الأخلاق وأنبلها، ومن أبرع الأساليب النفسية التربوية في اقتلاع جذور الشّر من بعض النفوس.
وفي المقابل فإن جار السوء إنسانٌ عرِي من نعمة المحافظة على أمن جاره. ففي رواية مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه". والبوائق معناها: الغوائل والشرور، فأكبر بها من جريمة يرتكبها جار السوء في حقِ جاره، إذ يسيء إليه حتى أنها لتحرمه من دخول الجنان مع الأولين!!! وأيضاً فإنّ الرسول صلى الله عليه وسلم عدَ جار السوء من بين الثلاثة العواقر:"... وجار سوء إن رأى خيراً دفنه، وإن رأى شرّاً أذاعه..." رواه الطبراني.
* وبالجملة عليه أن يكون نعم الجار لجاره:
فالجار المسلم هو عون لجاره في الشدائد، يأسى لأساه، ويفرح لفرحه، إن افتقر برَه وأسعفه، وإن ألمّ به مرضٌ عاده وواساه وأعانه، وإن وافاه الأجل شيّعه وواسى أهله وأحسن إليهم.
ويكفي بعد ذلك أن نعلم بأنّ خير الجيران عند الله خيرهم لجاره (كما أخبر الرسول بذلك في حديث شريف)، وأنّ رسول الله عدّ الجار الصالح من بين أسباب السعادة إذ قال:"من سعادة المرء المسلم في الدنيا: الجار الصالح...".
فهل من عجب بعد هذا كله أن يكون المسلم الصادق أفضل جار عرفته المجتمعات البشرية؟!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن