حوار مع الشيخ عدنان السقا رحمه الله
التاريخ:
فى : حوارات
3469 مشاهدة
هذا الحوار أجرته مجلتنا «منبر الداعيات » قديماً التي أصبح اسمها الآن "إشراقات" مع فضيلة العالم الفاضل الداعية الحكيم المربي الشيخ عدنان السقا رحمه الله، وأحببنا أن نتحف القرّاء به من جديد.
العلماء ورَثَة الأنبياء، والكَيِّس الفَطِن مَن يسعى للاستفادة من ميراثهم فينهل منه علماً زُلالاً صافياً يروي به ظمأ روحه وأشواق قلبه، ويُنير به ظلام فِكره وجهالات نفسه. والحديث مع أهل العلم شيِّق، والحوار معهم لا يُمَل منه.
لقاؤنا في هذا العدد مع أحد مشايخ مدينة حِمص السورية الشيخ عدنان السقّا الداعية الموهوب والخطيب المفوَّه الذي عُرف عنه سعيه الدؤوب للتأليف بين القيادات الإسلامية على اختلاف مشاربها.
1. «منبر الداعيات»: شيخنا الفاضل، ألا عرّفتمونا بدايةً ببطاقتكم الشخصيّة، وبمسيرتكم العلمية؟
شكراً لكم أن أتحتم لي فرصة هذا اللقاء، وأرجو أن يكون مباركاً مع إخوتي الفُضلاء. أما بالنسبة لهذه البطاقة التي سألتم عنها، فالناس لا يتميّزون في الحقيقة بأشكالهم ودراساتهم وشهاداتهم، وإنما يتميّزون بما لهم عند الله عز وجل من مقام. نرجو الله تعالى أن يجعل مقامنا عنده: خدمة هذا الدين العظيم الحنيف.
أنا من مواليد حِمْص سنة 1942، درستُ فيها حتى المرحلة الثانوية، ثم التحقت في عام 1960 بكلية الشريعة، وتخرجتُ منها ثم عملت مدرِّساً لمادة التربية الإسلامية في ثانوية حمص، ثم ذهبت إلى السعودية مرتين، المرة الأولى كانت (من سنة 1968 إلى سنة1970)، والمرة الثانية (من سنة 1980 إلى سنة 2000)، ثم أكرمني الله عز وجل بأن عُدت إلى أحضان بلدي وأحضان أحبابي. ذهبت خلال الفترة التي كنت فيها بالسعودية إلى باكستان، وحصلت على شهادة الماجستير، و أُدرِّس الآن في المعهد الإسلامي في قسم التخصص والدراسات العليا في دمشق، وأخطب الجمعة هنا أيضا،ً ولي بعض المحاضرات والدروس في حِمص وفي غيرها أيضاً.
2. «مــنبـــــر الداعــيـــات»: شيخنا الفاضل، من المؤكد أنه كان في تلك الفترة جهابذة العلماء حبّذا لو ذكرتم أبرز العلماء، الذين التقيتم بهم أو تأثّرتم بمنهجهم في الدعوة.
يمكن أن أقسّم ذلك إلى أربع فترات، الفترة الأولى: هي فترة التأثر الأوّل من خلال الأسرة والوالد الكريم الذي لم يكن عالماً، ولكن كان يحمل حبَّه للعلماء. فنشأتُ في هذا المحضِن الطيِّب ولله الحمد. ومن علماء حِمص الكرام في هذه المرحلة: الشيخ عبد الجليل مراد، الشيخ وصفي المُسَدّي، الشيخ عبد الغفار الدّروبي، الشيخ محمود جنيد، الشيخ عبد العزيز عيون السود. هؤلاء الذين كنا نستقي منهم في سن الرضاع.
المرحلة الثانية: علماء حلب، وأشهرهم: الشيخ عبد القادر عيسى، ذلك المربي الكبير الذي تتلمذتُ عليه، وجّهني لكي أطلب العلم الشرعي، وسمعتُ كلامه وكان في ذلك الخير. علماء دمشق: الدكتور أمين المصري، الدكتور وهبة الزحيلي، الدكتور سعيد رمضان البوطي، الشيخ سعيد البرهاني، الشيخ محمد الهاشمي، الشيخ لطفي الفيّومي، الشيخ عبد الوهاب دبس وزيت، هؤلاء في الحقيقة كنت أحضر عندهم يوم كنت في دمشق.
في مرحلة السعودية بعد ذلك، معروف بأن موسم الحج والعمرة يضمّان علماء كباراً يَفِدون إلى المملكة، فكنت أحرِص على أن ألتقي بهؤلاء، ومنهم مُقيمون استفدت منهم مثل: الشيخ علي الطنطاوي، الشيخ مصطفى الزرقا، الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة، الشيخ محمد محمود الصواف، والشيخ محمد متولي الشعراوي.
3. «منبر الداعيات»: شيخنا الفاضل، نلاحظ -مع الأسف- ضَعفاً في التحصيل العلمي لدى طلاب العلم اليوم. برأيكم، ما سبب ذلك ولماذا لا تبرز أسماء كتلك التي بَرَزَتْ في الأمس؟
اتجاه الحياة يسير بشكل عام نحو ضغط الماديات على الروحانيات، ضغط الجوانب التي يتطلع إليها الإنسان، وضعف الجانب الذي يتطلع إلى رضوان الله عز وجل. كلما تقدّمت الحياة أصبحت المصالح الماديّة تطغى، ومن المعروف أنّ طالب العلم يهدف إلى إرضاء الله عز وجل، وأن لا يُعير للجانب المادي اهتماماً. فمجّانية العطاء عند طالب العلم هي السِّمة المميّزة؛ فهو يُعَلِّم ويتحرّك ويدعو وهدفه في ذلك رضوان الله تعالى.
وللقديم أَلَقُهُ، يعني يبقى الناس يتعلّقون بالعلماء القُدامى، بوَرعهم وتقواهم وأخلاقهم وعلمهم الغزير، ورعايتهم لطلاب العلم: هذا الشيء كان مشهوداً في العلماء السابقين. فالحنين إلى الماضي قد يضغط علينا لنقول بأن العلماء أصبحوا دون المستوى، لا أظن ذلك، فإن هذا الدين محفوظ والله تعالى يتكفّل به. ألا ترَوْن - الآن - نهضة الاهتمام بالقرآن الكريم؟ ما كنّا نشهد قبل ذلك هذا الإقبال الرائع القويّ على قضية حفظ كتاب الله عز وجل. فالحمد لله نحن ننظر إلى المستقبل بعين تفاؤلية، لا بعين تغطي النقائص وتغطي التحديات، ولكن بعين تفاؤلية حقيقية إن شاء الله.
4. «منبر الداعيات»: ذكرتم اختلاف العصر أو اختلاف الحياة، والمتغيّرات التي جَرَت وتجري فيها. فكيف تنظرون إلى ما يحدث في بلاد المسلمين في فلسطين والعراق وأفغانستان... في ضوء السنن القرآنية؟
الآن كُشِفَ القناع وأصبح واضحاً كل الوضوح للجميع بأن هناك حرباً واضحة شرسة منبعثة عن نفوس حاقدة على هذا الإسلام؛ فأصحاب الماديّات والمبادىء المنحرفة وأصحاب المصالح لا يريدون للإسلام أن ينتشر، لذلك يحاربونه بأسلحة كثيرة ويتّهمونه بأشياء كثيرة، فأصبحت القضيّة واضحة الآن، يعني العدو هو اللاّإسلام، اللاّدين، اللاإنسانية، ولعل هذا يكون مدعاةً لأُلفةٍ قلوب المسلمين: أن يتّحدوا. لا يُسْمح الآن للمسلمين أبداً أن تدبّ الخلافات بينهم وقد أصبح العدوّ بارزاً وواضحاً. كان في الفترة الماضية نوع من قلّة الوعي؛ فكان الناس ينجرفون وراء الدعوات الهدامة، الآن أصبح الأمر واضحاً. لماذا؟ ما هو شأن أمريكا في أفغانستان؟ وماذا فعلت أفغانستان لأمريكا؟ لماذا يُريدونها فتنةً في السودان، وفي الصومال؟ لماذا المناطق المتوترة والحمراء والمناطق الدموية في العالم هي فقط بلاد المسلمين، مع أن غيرها من البلاد فيها أسلحة مدمِّرة؟ لماذا لا يلتفتون إليها؟ فهذا من شأنه -إن شاء الله- إذا زاد الوعي أن يؤلّف بين قلوب قيادات المسلمين أولاً لكي يلتفتوا إلى هذا الخطر الداهم، وأنا أرى فيه إرهاصاً بنُصرة الإسلام: (واللهُ مُتِمُّ نوره ولو كَرِه الكافرون)، (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا).
5. «منبر الداعيات»:شيخنا الكريم، نصيحة، في الختام، توجهونها للقراء من شيخٍ له باع طويل في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
كل إنسانٍ يحرص على سعادة الدنيا، والواعي هو الذي يحرص على سعادة الآخرة أيضاً، فأنا أنصح كل إنسان، وكل صاحب لُبّ وكل صاحب وعي أن ينظر في هذه الحياة، وهو يعلم أن له يوماً يرجع فيه إلى الله ثم يُراجع سِجِلََّ أعماله ويتساءل: هل هذه الأعمال التي أقوم بها تقربني من الله أم تباعدني عنه؟ بمعنى أن الإنسان ينبغي أن يكون صاحب هدفٍ في هذه الحياة. الهدف أن يكون سعيداً في الدنيا ويوم لقاء الله عزّ وجل، ولو كان الهدف واضحاً فعليه أن يبرمج الأعمال لتسير به إلى الهدف لا لتبعده عنه. فعلى كل إنسان أن يراجع كل أعماله في يومه، في أسبوعه، في شهره، في سَنته، تماماً كالتاجر الذي لا بدّ أن يعرف حسابه في آخر الشهر. كذلك الإنسان في الحقيقة ينبغي أن يكون فاهماً على الأقلّ أين الخطّ البياني؟ أين إحداثياته؟ وفي أي طريق يسير؟ هل يقوم بعملٍ يُسْعدُ نفسه، يُسعد أسرته، يُسعد أمّته، ويَسعد في آخرته...؟ أم أنه إنسان في قاموسه: أكلَ، شَرِبَ، نام، جمع المال، انتهت القضية؟ أين في قاموسه: تَكافَل مع غيره، دعا إلى الله، أحبّ جاره، ابتسم في وجه أطفاله، أنشأ جيلاً للحياة جديداً رائعاً...؟ هذه المفردات هي التي تُثري وتنهض بالأمة في مجال الرُّقيّ الدائم.
فأنا أنصح بأن يزداد الوعي، وهذا الوعي يكون من خلال: صحبة الصالحين، تحصيل الثقافة النافعة، العودة إلى الذات؛ أن أنكفىء على ذاتي لأرى موقعي: هل طهّرتُ نفسي من أمراضها؟ هذا ما أنصح به نفسي أولاً وأنصح به الإخوة وخاصةً طلاب العلم الذين يتخذهم الناس قدوة.
منبر الداعيات عدد128
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
تحرير العباد.. من التقليد في الأعياد!
رجلٌ من أقصى المدينة.. يسعى!
هرطقة اللّغات السّاميّة
القول الفصل.. بين الظلم والعدل!
الأُسرة السوريّة خارج القضبان