سوريا إلى خير

عندما تفاجأ القريب والبعيد بسقوط حكم بشار الأسد، وتحقق الانتصار على يد أحمد الشرع وفصيله، راح كثير من الأفراد والدول يغيّرون من مواقفهم تجاه السلطة الساقطة وتجاه السلطة الصاعدة. فعلى المستوى الشعبي نشأ تعبير 'التكويع' ليشخّص مواقف الذين كانوا ينافقون لبشار ويصفّقون له، من مشايخ السوء ومن الفنانين وغيرهم... ثم أصبحوا يتزلّفون إلى المنتصر.
لكن ما يشبه 'التكويع' حصل على مستوى الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة وذيولها. فأحمد الشرع الذي كان، في تصنيفهم، إرهابيًا، وكان رأسه مطلوبًا بعشرة ملايين دولارًا، أصبح الآن رئيسًا معترفًا به، وراح يقابل رؤساء الدول، بمن فيهم بايدن، وتتعدد زياراته لدول الجوار ولدول أخرى بعيدة... فهنا لا بدّ بشيء من التكويع، ولكن بما يتماشى مع إجراءات الدول وبروتوكولاتها. فالولايات المتحدة التي تريد الاستحواذ على العالم كله، وتريد أن تجعل من قادة دول العالم الثالث عملاء لها، وأن تطيح بمن يخرج عن طاعتها... 'كوّعت' على طريقتها، ورأت أنه لا بد من الاعتراف بالسلطة الجديدة في سورية والعمل على احتوائها، وصولًا إلى جعلها عميلة لها، أو الإطاحة بها، مستخدمة 'العصا والجزرة'، فلوّحت بالعصا حين افتعلت القلاقل وحرّكت الأقليات في الساحل وفي السويداء وفي شرق الفرات... وقدّمت الجزرة فرفعت العقوبات التي كانت مفروضة على النظام الساقط، وأوعزت إلى الدول الإقليمية والأوروبية بالتعامل الإيجابي مع السلطة الصاعدة.
وبطبيعة الحال لن تكون إسرائيل بمنأى عما يحدث، بل هي العصا الغليظة التي تمسك بها الولايات المتحدة، كما أن إسرائيل نفسها هي المتخوّفة من صعود سلطة ذات خلفية جهادية.
وكان الطرف الآخر المهم في المعادلة هو السيد الشرع ومَن معه، فهم الذين يواجهون الضغوط الداخلية والقلاقل التي يُحدثها فلول النظام الساقط والمتربّصون الذين ينتهزون الفرصة لتحقيق أمجاد كانوا يحلمون بها. لقد كان الشرع وأعوانه يحرصون على تثبيت جذورهم وحماية سلطتهم من مؤامرات الداخل والخارج.
لقد بلغت الضغوط ذروتها حين افتعل الفلول الحرائق الهائلة، وحين تمرّدت جيوب الأكراد، وحين استقوى فريق من الدروز بإسرائيل، وحين قصفت إسرائيل مواقع حساسة في دمشق وما حولها وأحدثت دمارًا هائلًا... وكانت ردّة فعل الرئيس الشرع موسومة بضبط النفس إلى أكبر حد ممكن، سواء تجاه من أحدثوا القلاقل في أكثر من بقعة داخل الوطن، أو تجاه القصف الإسرائيلي، فهو يعلم أن عُوده لم يقْوَ ليواجه القوة بالقوة، فما يزال يغض الطرف ويتعامل بالحكمة، بل يعطي التنازلات التي يراها ضرورية في هذه المرحلة.
ومع هذا كله فإن المستقبل القريب ما يزال مبشّرًا لأسباب عدّة:
أولها: أن أحمد الشرع ومَن معه معتمدون على الله. {ولينصرنَّ اللهُ مَن ينصره}.
ثانيها: أن شعب سورية واثق من قيادته، مؤيد لها، ملتفّ حولها، فهي التي أنقذته من ويلات الحكم البعثي الطائفي الذي آذاه في دينه وفي كرامته وفي دمه، ومارس فيه القتل والسحل والسجن والتهجير والتدمير...
هذا الشعب أعطى ولاءه لقادته الجدد، ورأى أن الصبر على ما يواجهه أهون عليه ألف مرة، من عودة الحكم الساقط، بل إن هذا الشعب قد عزم على بناء البلد وتعميره ليعود إلى المجد الذي يليق به.
وثالثها: أن العمالة المكشوفة لفلول النظام ولمفتعلي الحرائق والناقمين الخارجين عن القانون في السويداء وغيرها... الذين يستقوون بإسرائيل... هذه العمالة تزيد من ثقة الشعب بقيادته، فلو لم تكن هذه القيادة صادقة مخلصة لما حاربتها إسرائيل.
ورابعها: أن الدول المجاورة قد عانت من فساد السلطة الساقطة ومن تآمرها ومن حقدها، وهي الآن داعمة للسلطة الصاعدة، حريصة على استقرارها وتمكّنها.
ومَن كان الله معه فلن يضيرَه كيد الأعداء.
المصدر : موقع مجلة إشراقات
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
سوريا إلى خير
أسباب تخلّف المسلمين: تحقّق وتبيين
النسوية.. واقع وتوجّه
الهجرة عقيدة
أهمية الثقافة الجنسية للأبناء وفق الشريعة الإسلامية