الأبواب المغلقة والنصر الموعود
التاريخ:
فى : بوح الخاطر
2292 مشاهدة
كيف يفكر الأسير ؟
إلي أين تتجه أنظاره دوما ؟
وكيف يفكر المجرم ؟
وما الذي يشغل تفكيره دوما ؟
يقول الله عز وجل في سورة يوسف " َرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ 23
...
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25
إنها أبواب الفتح الموعود حتي ولو كانت مغلقة بيد الجاني نفسه ، ليبست مغلقة غلقا عاديا ، وإنما بتشديد اللام أي شديدة الغلق لأكثر من باب وبأكثر من وسيلة للباب الواحد .
تغلق هي الأبواب حتي لا يفر منها وهي تعلم أنها مذنبة ، وتعلم انه مظلوم ، وتعلم أنه سيرفض عرضها " ومراودتها " وإلا لما لجئت لكل الحيل . ثم هي تعلم جيدا أن الخطر يأتيها دوما من ذلك الباب الذي أغلقته بنفسها
وهو ....
يعلم جيدا أن الباب مغلق ، باب النجاة ، باب الخروج ، باب النصر
راودته ، وتحايلت وتهيأت
إلي أين يتجه وهو الذي يعلم بغلق الأبواب جيدا
غنه يتجه صوب الباب
ولماذا يتجه إليه وهو يعلم انه ين ينفتح إلا إذا قامت هي بفتحه ، فهي من أغلقت ؟
إنه الأمل الذي لا يجب أن يخبو أبدا داخل النفوس
توجه تلقاء الباب بفطرته ، وأمله بداخله ، ورغبته الأكيدة في الخلاص
فلماذا تتسارع هي أيضا إلي الباب وهي التي أغلقته ؟
إنه الخوف المستديم في قلب الجاني ، إنه من يغلق ومن يقتل ومن يسرق ومن يظلم ، ومع هذا فهو يعلم يقينا أن الباب الذي أغلقه بيده سوف ينفتح ...
استبقا الباب
كل منهم يتوجه لحوله وقوته
المظلوم لحول الله وقوته التي يستمد منها رجائه وأمله وثقته " معاذ الله " .
والظالم لخوفه وجبروته وثقته بأنه لن يصمد أمام الحق باب مهما كانت قوة غلقه ، ومهما كان ضعف خصمه .
عظمة الفعل هي أن يتوجه المظلوم تجاه الباب مع يقينه بفتحه ، وآية من الله خوف الظالم رغم يقينه بصلابة الباب
فماذا خلف الباب ؟
هل هو النصر والفرج والفتح الأعظم ؟
هل هو الانفراجة الكبري ؟
في ميزان البشر يكفي تلك الفتن ، والهمة هابطة ، والرغبة في النصر السريع جارفة ، لكن النفس ما زالت تحتاج للتربية ، الله عز وجل يريد للمظلوم تهيئة أخري ، يريده صلبا قويا لمهمة لن يحتملها غيره ، يريد له رفعة لا يستحقها غيره .
" وألفيا سيدها لدي الباب " . السيد الذي يقاضي بتهم باطلة ، هو المجرم ويلقي بجريمته علي الآخر ظنا منه أن ذلك سوف يطمس معالم جريمته ، ثم " يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك " . لا تتحدث في الأمر ولا تذكره لأحد وكأنه لم يكن ، ابتلع مصيبتك والتزم الصمت ، ثم .... يعتقل صاحب الحق ........ بأي تهمة ؟ ولماذا ؟ وبأي عقل أو منطق ؟
هو منطق القاتل ، منطق المجرمين ، ودستور الإرهاب ، منطق القوة المستمدة من الاغتصاب للحق ، إخفاءا لجريمة حتما ستنكشف .
ذلك هو ديدن المجرمين في كل زمن ، رمتني بدائها وانسلت ، لتعود صاحبة الذنب سيدة القصر كما كانت ، ويتلقي صاحب الحق ضربات للتربية والتمحيص أكثر لإعداده لمهمة لا يعلمها .
يدخل السجن ويرافقه اثنان ، يلاحظا فيه الصلاح والتقي وأخلاق لم يعهداها فيتقربا إليه ويسرا إليه بما يجول في خاطرهما فيبشر احدهم بالخروج لتطمع نفسه في النصرة من البشر "َوقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42
هنا درس آخر لصاحب الحق ، لا يجب أن يتعلق قلبك بغير الله ، الأبواب المغلقة مفاتيحها في يد الله وحده ، التعلق بغيره قد يؤخر النصر سنوات لا تستطيع تقديرها ، الفرج منه سبحانه ، توجه بقلبك إليه وبفعلك له ، ليس لك سواه
" فلبث في السجن بضع سنين " جزاءا ـ فقط لتوجه القلب تجاه غير الله والتماس النصرة عند غيره ـ بضع سنين أخري من الابتلاء والتمحيص
حتي إذا أحسن توجيه قلبه فتكون البشري ، رؤيا يراها الملك بسبع بقرات عجاف يأكلن سبع ثمان ، ويحتار المفسرون فيتذكر الذي نجا صاحبه في السجن فيدل الملك عليه
هنا تأتي العزة
هنا تأتي كلمة الله
هنا استعدت النفس وتأهلت لتحمل المسئولية العظيمة وتبعات النصر الكبير
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)
قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51
ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52
وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55
وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57
هنا يفرض صاحب الحق فكرته دون تعال أو تجبر
يفسر الرؤيا
يطلب إثبات حقه في براءته
يطلب مكانته التي هو قادر علي تصدرها
" اجعلني علي خزائن الأرض "
" كذلك مكنا ليوسف "
تخطي يوسف كل الابتلاءات فاستحق أن يكون علي عرش مصر ، وأن يتحمل بحول الله وقوته مسئولية العالم المحيط به في ذلك الوقت .
النصر خلف الأبواب المغلقة يكمن ، لكن لا تتعجلوه ولا يصرفكم عنه المرجفين
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة