من مفاضلات النُّبُوَّة في مكانة أُلفة المسلمين من الدين
من روائع الأحاديث ـ وما أكثرَها ـ في هذا الموضوع قولُه صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضلَ من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ صلاحُ ذاتِ البَيْن فإنّ فساد ذات البين:... الحالقة!! ».
هذا الحديث الصحيح يبيِّنُ مكانة وفضل إصلاح الأحوال بين المسلمين - ومن ذلك حالة نزاع الأزواج - لتعزيز الأُلفة واجتماع الكلمة، كما يدُلّ على أنّ فضل ومكانة هذا العمل الصالح يفوقان فضل الاستكثار من عبادات عظيمة مثل الصيام والصلاة والصدقة، وإلى هذا أشار العلاّمة المُناوي رحمه الله في «فيض القدير» 106:3. وكم تُعجبني عبارة الأخ الكبير، الداعية الشاعر الحكيم، د. أحمد البراء الأميري التي سجّلها على أحد كتبه وهي: (نظرات إسلامية في فقه الائتلاف)!
ويَدُلّ أيضاً هذا الكَلِم النبوي المبارك على أنّ السعي في إفساد العلاقة بين المسلمين والتسبّب بالفتنة وإشعال الضغائن وتفريق الصفوف تحلق الدين كما تحلق الموسى الشَّعْر - والعياذ بالله - لما يترتب على ذلك من الأضرار!
وينبني على ذلك أمران: أَوّلُهما وجوب العمل باستمرار لألفة المسلمين وحُسن ظنّهم ببعض مع الحثّ على التديُّن الصادق وحُسْن الالتزام بأحكام الشرع والاستقامة على الكتاب والسنَّة، لذا لا يُعَدّ النهيُ عن المنكر متعارضاً مع مقصد الحديث لأنهما واجبان، كلُّ واحد منهما يجب السعيُ لتحقيقه.
وثانيهما وجوب الابتعاد عن مُفسدات الأُخوّة وقد عدّ الطبيب المصري العالِم الداعية (هشام آل عُقدة) في كتابه النافع «مُفسدات الأخوّة» واحدةً وعشرين خصلةً من مُفسدات الأخوّة: مثل الطمع في الدنيا، الاعتداد بالرأي، إذاعة السرّ، اتباع الظنّ، الأنانيّة، الحرص على إظهار الذات، إخلاف المواعيد والاتفاقات... في خصالٍ كثيرةٍ أخرى غيرِها يُفيد جداً الاطلاع عليها والاستفادة منها. نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين ويحقِّق الألفة بينهم ويُبعد عن صفوفهم المولَعون بالتفرقة وأصحاب المطامع الدنيوية وخاصّة في هذه الأوقات الصعبة التي تشتدّ فيها هجمة أعداء الإسلام والحاقدين على تطبيق شريعته وأهلِ السُّوء سُود القلوب، إنه لطيفٌ كريم... رحمنٌ رحيم.
فائدة لغوية: قال شيخنا المحدّث اللغوي محمد عوّامة في تعليقه على «سنن أبي داود» بتحقيقه (413:5): ذات البين الألف واللام بدل الإضافة في قولك بينكم، وذات بمعنى التي، والتقدير: إصلاح الأحوال التي بينكم...
مصادر الحديث: رواه الإمام أحمد في مسنده (27508)، والإمام أبو داود في سننه (4919)، في الأدب، باب في إصلاح ذات البين، والإمام الترمذي في سننه (2677)، في صفة القيامة، عن سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن لطائف الإسناد في هذا الحديث رواية الزوجة أُمِّ الدرداء عن زوجها رضي الله عنهما. وهو عند الإمام البخاري في «الأدب المفرد» (391)، والطبراني في جزء «مكارم الأخلاق» (ح 75)، والبيهقي في جزء «الآداب» (ح 117) وأخرجه أيضاً في «شُعَب الإيمان» (11088).
درجة الحديث: صحّحه الإمام الحافظ ابن حِبّان (5092)، وكذلك قال الإمام الترمذي عَقِب الحديث: هذا حديث صحيح، وأتبعه بقوله: ويُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هي الحالقة لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحِلقُ الدين!! ».
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن