كيف نحمي الأُسَر الملتزمة بدينها من الفضائيات
عندما طغت موجة الفضائيات على السوق الإعلامية واشترك بها أكثر الناس حتى الذي لا يجد ما يسدّ رمقه قد وجد ما يمتّع به بصره وسَمْعه ويغطي بصيرته عندها كان همّنا في مجتمعاتنا أن نحذّر من خطرها على الإنسان عامة وعلى المسلم خاصة لما تصدّر لنا من مسلسلات هابطة وأفلام إباحية وإجرامية وغير ذلك. وكنا دائماً ننوّه إلى أنّ جهاز التلفاز سلاح ذو حدّين نستطيع أن نستخدمه في وجوه الخير بدل استخدامه في تلك الوجوه التي شوّهت معالم الفطرة الإنسانية، فمن خلاله نتابع أحداث العالم وهذا ما يأمر به الإسلام وهو الاطّلاع على هموم المسلمين في شتى بقاع الأرض والشعور معهم، كما أننا نستطيع متابعة البرامج الدينية والحوارات السياسية وحتى المشاهد الطبيعية التي تذكّرنا بعظمة الخالق فتنطق أفئدتنا قبل ألسنتنا بالتسبيح: سبحان الله. وعلى هذا الأساس بَنَتْ العائلات الملتزمة استعمالها للتلفاز وللصحون اللاقطة. ولكن هل اقتصر الأمر على ذلك؟
أقول إن هذه البرامج على الرغم من الإفادة التي تحقّقها إلا أنها سببت الكثير من المشاكل لعائلاتنا الملتزمة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
الاختلاف بين الأب وأولاده أو بين الأولاد وأخواتهم على نوعية البرامج التي يريدون مشاهدتها، فالأب يريد سماع الأخبار كل نصف ساعة، كما أنه يريد متابعة أفلام الحيوانات الوثائقية. أما الأبناء فمنهم مَن يريد مشاهدة الرسوم المتحركة وأخريات يردن متابعة البرامج السياسية والفكرية والدينية، ومنهم مَن يُبغض تلك المشاهدة لأنها تُعطّله عن واجباته فيعترض لأن وقته في كِلا الحاليْن ضائع … وهكذا.
إن هذه البرامج المفيدة موجودة على مدار الساعة، وبالتالي بات شغل بعض الملتزمين والملتزمات الشاغل التنقّل بين محطّات البَثّ من واحدة لأخرى: هذا مهم وآخر أهم وثالث لا يفوَّت وهكذا … والحق أن كل ما فيها مهم للإنسان المسلم أن يطّلع عليه: فمن واحد علماني يبتدع أصولاً جديدة في الدين نريد الاطّلاع على فكره للتحذير منه، إلى آخر يبحث في شؤون الأسرة، إلى ثالث ينظّم المسابقات الدينية والثقافية التي نستقي منها معلومات جيدة ومفيدة. ولكن أين واجباتكما: أخي المسلم وأختي المسلمة؟
- أين تلاوة القرآن وحفظه؟
- أين قراءة الكتب التي تغذّي الفكر وتحيي القلب وتغذّي الأرواح؟
- أين الاتصال بأخيكَ في الله أو أختكِ في الله للاطمئنان عليها أو لبحث شؤون دعوية تخدم المجتمع الإسلامي أكثر مما يخدمه جلوسكما لساعات طويلة أمام التلفاز؟
- أين الصلاة الخاشعة إذا خشينا أن نفوّت علينا أيّاً من هذه البرامج … المفيدة؟
- أين جلسات الذِّكر والدعاء؟ - أين مراجعة العلوم التي نتعلّمها في النهار؟
-أين؟ ثم أين؟
تقول الطالبة منال (سنة أولى أدب عربي): لا أحبّذ الفضائيات فعلى الرغم من البرامج المفيدة التي تعرضها إلا أنها سبباً في ضياع الأوقات إذا ما أراد المرء متابعة كل مفيد يُعرَض، فضلاً عن أننا لا نستطيع تماماً الالتزام بمشاهدة ما يُعرَض من خير فقط فلكل واحد في المنزل توجُّهاته وميوله وهذا مما يسبّب أحياناً بعض الخلافات. لا أنكر أن الفضائيات التي تعرض البرامج الثقافية المفيدة فضلاً عن الأخبار جيدة ولكن لا بد أن ينظّم المرء أوقات متابعته لما يُعرَض.
لقد صار هذا الجهاز الجليس الوحيد الذي يُباعد بين أفراد الأسرة الواحدة، فضلاً عن الخلافات التي تمزّق أواصر العَلاقات الأُسَرية فتُحيلها قطعاً متناثرة متناحرة. وهذا غالبه يحصل في العائلات التي تشتمل على أولاد تخطّين مرحلة الطفولة والمراهقة إلى مراحل أكثر أهمية وخطورة.
واللهِ لا أبالغ، فقد سمعتُ وشاهدت، ولعلّ أكثركم يعاني غير أنه لا يبوح بتلك المعاناة.
واليوم صار لزاماً علينا أن نغيّر أسلوبنا في التوجيه، فلا نقول فقط شاهد المفيد مما يُعرَض بل نقول للملتزم أَوقفْ اشتراككَ بهذا الوباء المفيد وإلا نظّم مشاهداتكَ مع العائلة لتلك البرامج، ولعلّ ساعتان تكفيان للمشاهدة، فلا تقضون الأمسية بطولها في التنقّل بين تلك الحقول، فهناك ميادين أنفع وأصفى للنفس اغتنمها وعلّم العائلة كيفية اغتنامها قبل أن تفلت زمام الأمور منكَ بالكُلية فلا تقدر بعدها على أمرٍ أو نَهْيٍ أو تربية. والآن أترك القرّاء مع أختَيْن ممن يتابعن هذه الفضائيات بشكلٍ مدروس:
تقول الأخت أم أحمد وهي أم لشابّيْن وفتاة وهم من طلاّب المدارس والمعاهد والجامعات: الفضائيات مفيدة جداً، إلا أننا لا نتابعها كثيراً فلا وقت لدينا، نكتفي فقط بمشاهدة الأخبار، بالإضافة لبعض البرامج شديدة الأهمية، وعلى رأي أحد المشايخ: لا ننكر أنّ لهذه الفضائيات دورها في ضياع المشاهد الذي لا يملك خلفية دينية فهي تعرض الخلافات بين العلماء على شاشة التلفاز مما يوقع المُشاهِد في حَيْرة من أمره. مثلاً: منهم مَن يقول إن الموسيقى حرام، ومنهم مَن يدّعي أنّها حلال وبين هذا وذاك لم يعُد المشاهد يدري أيّ الفتاوى يعتمد!
وتقول الأخت أم فاروق ( مجازة في الرياضيات) وأمٌّ لطفليْن وتعمل في حقول الدعوة إلى الله: أضبط مشاهدتي لهذه البرامج بحسب ما يُطرح على الساحة من قضايا، فقد يكون هناك برنامجاً مفيداً إلا أنه باعتباري هناك واجبات عليّ أهم من هذا المهم، فالذي لا أشغال لديه يجلس بالساعات أمام جهاز التلفاز.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن