الخطبة التقليدية في الألفية الثالثة
سهير علي أومري
بصلاحها تصلح المجتمعات وترقى، وبفسادها تفسد المجتمعات وتشقى... إنها الأسرة، تلك النواة الصغيرة التي كانت وما زالت كل جهود الإصلاح عبر العصور توجه إليها، وتتعهدها بالرعاية والعناية منذ بدء تأسيسها وحتى تنشأ عنها ثمار ناضجة تنطلق إلى المجتمع لتؤسس أسراً أخرى...
ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يتم اجتماع قطبَي هذه اللبِنة - الذكر والأنثى - على نحو يجعل الحياة بينهما تستمر في جوّ من التفاهم والاستقرار؟
بينتُ سابقاً أن علاقة التعارف قبل الزواج ليست شرطاً لاستمرار الزواج والحفاظ على الود والتفاهم بين الزوجين، بل إن في هذه العلاقة الكثير الكثير من الأضرار النفسية والاجتماعية للطرفين...
فهل الخطبة التقليدية هي الحل المثالي للزواج؟!
في البداية أود أن أتوقف عند ظاهرة ارتبطت بالخطبة التقليدية وجدنا عليها آباءنا وسادت في مجتمعاتنا جيلاً بعد جيل لكنها ليست من شريعة الله ولا من أحكام الدين، وهي الاهتمام بشكل الفتاة ومظهرها الخارجي، مما يُشعرها أنها سلعة معروضة في سوق الزواج وأن مقوماتها الشخصية والإنسانية كلها تلاشت واختُزلت من هذا القالب الذي يجب أن يكون ضمن مقاييس نجمات الأغاني المصورة في فنون الغواية والإغراء... أما إذا عدنا إلى شرعنا الحنيف، فإن نبيّنا صلى الله عليه وسلم يقول: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» رواه مسلم، أي: إن لم تفعل تمرغت يداك بالتراب وباءت بالخسارة والخذلان... وهذا لا يعني أن شكل الفتاة وحسبها ومالها أمور غير مهمة، ولكن يجب ألا تكون هي الأساس في اختيار الزوجة، بل الأساس هو شخصيتها وأخلاقها وسلوكها، الأمر نفسه بالنسبة للشاب؛ فقد نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم ولي الفتاة قائلاً: «إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» رواه ابن ماجه في سننه.
إذن ما سُمِّي بـ«الخطبة التقليدية»: أسلوب صحيح في أصله خاطئ فيما شاع من تطبيقه، يكرَّم فيه الطرفان ويحفَظَ لكليهما حقوقه ويصون قلبه ومشاعره، وأهم ما يميزها:
1- المسؤولية: حيث يثبت الطرفان صدق النية والعزم على الزواج، فلا شاب يستطيع استغلال الفتاة لشهوة آنية، ولا فتاة تستطيع خداع الشاب لقضاء وقت جميل معه والانتفاع بماله...
2- في الخطبة التقليدية يتم التعارف ضمن نطاق الأهل، وهذا يقلل من احتمال انخداع الطرفين ببعضهما، وذلك لأن رأي كل طرف بالآخر سيكون معززاً بخبرة الأهل المكتسبة بعامل الزمن والتجارب
3- الخطبة التقليدية توفر للطرفين إمكانية التعرف إلى بيئة وعائلة كل منهما، في الوقت الذي تشكل فيه معرفة البيئة والوسط الاجتماعي أحد عوامل التكافؤ والتي هي من أهم عوامل الزواج الناجح...
4- وفيها يقوم أهل الطرفين بالسؤال عن الطرف الآخر، وهذا أمر في غاية الأهمية لأن ألْسِنَة الخلقِ أقلام الحقّ.
5- ويكون التقبل ثم القناعة العقلية، وهذه القناعة هي التي تولد المشاعر المتّزنة.
6- ثم يبدأ الطرفان حياتهما على أساس متين من تقوى الله عز وجل ورضوانه لأن كلاً منهما التزم بشرع الله، عندها يبارك الله تعالى لهما في زواجهما.
نخلص مما تقدم إلى أن الخطبة التقليدية ستكون تقليداً بالياً يرفضه المجتمع إن لم تكن مبنية على أساس من الرقي واحترام الفتاة ومنح الطرفين الوقت الكافي لاتخاذ قرار الارتباط، وهذه مسؤولية يحملها المجتمع بأكمله.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة