أمسيات في عمق الذاكرة
تلك التي كان الوالد رحمه الله يجلس إلينا فيها فيبدأ حديثه ويُبحر فيه ويُنهيه وهو يذكر «يافا» مدينته الحبيبة الشامخة التي وصفها الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري، والكلمات كما كان يرويها الوالد - رحمه الله - تعالى:
فيزفر الوالد زفرة عميقة ويقول: ومن أروع ما قال الجواهري:
فترتفع أصوات التصفيق الحارّ في مركز الكشافة الذي استضاف الشاعر يومها؛ والذي كان والدي محمد علي العناني يتردد إليه شاباً يافعاً، ثم كان يكمل الأبيات الشعرية التي تلقاها من فم الشاعر- كما كان يحفظ قصائد أخرى بالطريقة نفسها:
ويبلغ التصفيق مداه مما جعل الشاعر يكرِّر بعض المقاطع ثم يختمها بقوله:
ثم يكمل الوالد: فلا تسَل عن الحفاوة التي استُقبل بها الشاعر وعن الحرارة التي وُدع بها. ثم ينظر إلينا ويقول: في الحقيقة إنّ أهل يافا كانوا كُرماء، فنزل بينهم كأنه ملك وهو الذي وصف يافا فأبدع وأدهش وأمتع، وقد كان معنا في ذاك اللقاء أكابر القوم...
ويذكر أسماء بهتت في ذاكرتي... أما الوالد رحمه الله فقد عاش أكثر من قرن وذاكرته لم تزل حديدية. وللعلم، فإنه لم يكن يحمل حتى الشهادة الابتدائية، بل كان خرّيج كتاتيب للقرآن الكريم، ولقد عشتُ معه ذكريات رائعة كنتُ أزداد فيها كل يوم دهشة لمستوى تعليم الكتّاب هذا، واليوم أراني أجتهد في تفسير الأمر، ولربما أستطيع أن أجزم أن تعليم القرآن ولغتِه العظيمة بصورة نقية خيرٌ من تعليم الإرساليات التي كانت منتشرة في يافا، رغم أن الأخيرة قد حققت بعض الغايات، ولكن من المؤكد أن الجمع بين علوم الدنيا والدين هو الذي يدفع الأمة إلى القمة؛ ولربما أعود مرات ومرات إلى مجالس أبي الأبيّ رحمه الله التي افتقدتُها قبل خمس سنوات تقريباً، دون أن أفتقد شريانها الذي مازال يسري في أعماقي..
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
أثر تغيير الأسماء والمفاهيم.. في فساد الدنيا والدين!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!