الإسلاميون.. ودعوة لإعادة النظر
«الإسلاميون».. مصطلح له حضوره الدائم في المشهد السياسي وفي السجالات الإعلامية والفكرية. وفي «الدول العميقة» عربياً وكذا في ما يسمى بـ «الديمقراطيات الحديثة» عالمياً غالباً ما يتم التعامل مع «الإسلاميين» على أنهم الاستثناء من الأصل، وبأنه لا يليق لهم سوى الإقصاء والتهميش، إلا أن يُثبتوا حُسن السلوك! ولست بصدد الحديث عن هذه القضية الشائكة وعمرها من عمر الحركات الإسلامية، كما أنني لست بمَعرض الدفاع.. وإنما أردت التوقف عند التسمية نفسها.. «إسلاميون»؟ أم «مسلمون»؟ أيهما أقرب للصواب؟ وأي الإطلاقَيْن في مصلحة الإسلام اليوم؟
معلوم أن تسمية «إسلامي» أو «إسلاميين» لم تَرد في القرآن أو السُّنة، ولم تكن على عهد الصحابة والتابعين. غير أن بعض العلماء المسلمين استخدموها في الأعوام ما بين القرنين الرابع الهجري والخامس عشر، منهم: أبو الحسن الأشعري وابن تيمية والجاحظ والقيرواني والعسقلاني وغيرهم، في سياقات مختلفة عما تُستخدم له اليوم، خاصة في مجالات الأدب وعلم الكلام والفلسفة، بحسب ما ذهب إليه الباحث د. عبد الفتاح أفكوح في مقالته: «مسلم أم إسلامي أم إسلاموي؟».. وفي نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر ظهر استعمال islamist في الموسوعة البريطانية ويعني: من كان يدرس الدول الإسلامية، أي المستشرق.. وفي المغرب وجدنا كلمة «إسلامي» من جديد في أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في مخطوطات بمدينة تطوان بشمال المغرب؛ حيث كانت تطلق كلمة «إسلامي» على اليهود الذين أتَوا من إسبانيا ثم أسلموا، حتى يتم التفريق بين المسلم الأصلي والذي اعتنق الإسلام حديثاً» (الحرب الحضارية ومستقبل العالم الإسلامي، عالِـم الاجتماع المغربي د. المهدي المنجرة).
أما في العصر الحديث فقد استُخدم المصطلح في سياق مختلف، ولذلك أسبابه الموضوعية؛ فبعد سقوط الخلافة كان لا بد من جمع كلمة المسلمين بعد تشتتهم وابتعادهم عن دينهم بفعل الاستعمار، فنشأت هذه الحركات – وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين – لتعيد للإسلام دوره الفاعل في حياة الناس والمجتمعات. وما إن تنبه الغرب لذلك حتى بدأ بشن الحملات ضدها وبتشويه صورتها وبتشكيك الناس بها.. وباستغلال ذلك الفرز الاجتماعي الذي يفرضه المصطلح: بين «مسلم» و«إسلامي».. وبإلصاق صفة الإرهاب بالإسلامي لا بالمسلم؛ فهم بحسب ادعائهم لا يحاربون الإسلام وإنما «الإسلاميين» الإرهابيين المتطرفين المتشددين... إلى آخر القائمة!
وهنا بيت القصيد.. إذا كان استخدام مصطلح «الإسلاميين» في بدايات العمل الإسلامي الحركي مبرَّراً وله مسوغاته وظروفه.. ألم يحن الوقت لإعادة النظر بشأنه على ضوء واقع المسلمين اليوم وما يتعرض له الإسلام الحركي من تشويه وتشكيك وتحريض سائر أفراد المجتمع على «الإسلاميين»؟
فالمصطلح أفرز دِلالات سلبية غير مقصودة، وقد ظهر هذا بالتدرج والتراكم:
• نسبة من المسلمين -غير الإسلاميين -يتابعون هذا الاستفراد العالمي بالإسلاميين ولكنهم لا يحركون ساكناً باعتبار أن الأمر لا يعنيهم؛ فهم ليسوا «إسلاميين» بالبُعد الحركي، وخياراتهم متباينة..
• ومثل ذلك، القضايا الإسلامية: لا علاقة عملية للـ «مسلم» بها.. لماذا؟ لأنها ببساطة مهمة «الإسلامي».. فهو الذي تولى الدفاع عن الإسلام وتحكيمه في حياة الناس.. وكل ما ينتج عن ذلك من مشكلات هو مسؤول عن معالجتها!
• نظرة «الجَلْد» للـ «إسلامي»؛ فهو الذي يمثل الإسلام، وكل ما يصدر عنه محسوب عليه.. وبالتالي فالغلط ممنوع، لماذا؟ لأنه «إسلامي».. أما إن صدرت منه معصية: فيا غيرة الدين! وكأن المسلم غير «الإسلامي» من حقه ارتكاب المنكرات!
• النظرة الفوقية التي تصدر أحياناً من بعض «الإسلاميين» باعتبار أنهم يمثلون الإسلام ويخدمونه و..
• تكريس الصورة النمطية للـ «إسلاميّ»؛ تلك التي تهتم بظاهر الالتزام دون جوهره.. ومنها بعض العبارات والسلوكيات التي يتقنها «الإسلامي» وأصبحت تميزه عن غيره.. ولو أمعنا النظر نجد البعض لا تعدو عنده أكثر من أن تكون حركات وكلمات اعتادها دون مضمون.
• وهذا كله استغله أعداء الإسلام لتكريس الانقسام الحاد في المجتمعات الإسلامية.
أمَا يدعونا ذلك لاعتماد تسمية «مسلم» في صفوف الحركات الإسلامية وتصديرها والترويج لها؟ فالمفكر «المسلم» والكاتب «المسلم» وكذلك الداعية والمنشد والفنان... (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) (الحج: 78)، (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصُلت: 33).. وردت هذه التسمية في 26 موضِعاً في القرآن الكريم، سواء للموحدين من أمتنا أو من الأمم السابقة.
وإذا اعتبرنا أن «إسلامي» إنما هي بطاقة انتساب للملتزمين العاملين في صفوف الحركة الإسلامية.. أليس من الأفضل أن تكون «مسلم» بطاقة انتساب لهؤلاء للتعبير عن التزامهم بالإسلام بمفهومه الأوسع والأشمل – ضمن الإطار الجماعي -بما يجنبنا التصنيف والفرز والتمييز؟
إن التغيرات الجذرية الحاصلة في المجتمعات على مختلف الأصعدة تحتّم على الحركات الإسلامية إعادة النظر في بعض خياراتها.. ومن ذلك إنتاج خطاب يراعي مصالحها في عالم اليوم.. فما كان مناسباً بالأمس لم يعد كذلك الآن، خطاب ينطلق من الثوابت ويستفيد من المتغيرات بما يحقق أهدافها..
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة