ثمّ تكون خلافة!
«مَن قال إن الخلافة ستعود؟! بلدٌ مثل لبنان لا يمكن أن يحتمل حكم المسلمين بكل هذا التنوّع الطائفي.. قد يحصل وتعود في كل العالم العربي إلا لبنان!».. هذا الكلام يقوله قسم كبير من الشباب «الحركي» ولا أدري حقيقةً ماذا يفهمون من حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»؟! (مسند الإمام أحمد).
عصف (الربيع العربي) في بلاد عديدة.. فجاءت الثورة لتقتلع الأنظمة ثم تنتخب «الإسلام» في بعضها.. ما لبثت أن استعادت بعدها الدولة العميقة الحكم لأسباب عدّة أهمها تجذّر هذا الأخطبوط والعقلية الحزبية التي أُديرت بها السلطة.. فكانت النتيجة انتزاع السلطة منهم بمؤامرات داخلية وخارجية وبعد أن كشّر الغرب عن أنيابه.. فانتفض المسلمون وطورِدوا في بعض الدول بينما سلّموا السلطة وهنّأوا (العلمانيّين) في دول أُخرى على تولّيها الحكم! فمّما اتّضَح بعد هذا الربيع أنّ المسلمين لم يكونوا قد أعدّوا العُدّة كما يجب لتصدُّر الحكم.. مما أوجب عليهم أن ينسحبوا، ولربما كان الأفضل لهم أن يفعلوا من الأساس ولا يدخلوا حلبة ليسوا بارعين فيها حتى يتمكّنوا.. إلاّ أن (تهنئة) البعض لنظام كفر لا يحكم بما أنزل الله جلّ وعلا هي خطوة ساذجة.. وكان يكفي أن يلتزموا جانب المعارضة حتى يقوى عودهم دون أن يزكّوا (الكفر)!
ونرى في منحى آخر نموذجاً يروّج له البعض.. إذ يريد تحقيق الخلافة مباشرة من خلال تغيير نظام الحكم.. وهذا ضد السُنّة التشريعية والتطبيق التاريخي ومخالِف لنموذج التجربة النبوية والمنطق.. أمّا النموذج الآخر الواقعي فهو البدء من تغيير الوعي الفردي والانتقال بعده للأسرة ثم المجتمع، حتى إذا استوى الفهم طالبت القاعدة الشعبية بتطبيق حكم الله جـلّ وعلا فتثبت أركانه وتتقبّل الجماهير..
فموضوع التربية إذاً جوهريّ ونحن اليوم في مرحلة صراع.. لا بد من بناء الوعي والاستمرار بصدق وكثافة أكثر بجهود التربية ومصارعة الباطل بحسب الإمكانات دون حرق المراحل.. وكذلك ينبغي التركيز على الدعوة والخدمات العامة والتفاعل مع المجتمع والاهتمام بالنقابات والبلديات والشأن العام.. فإذا ما اندمجنا مع الناس وأريناهم الإسلام بصورته الحقيقة المُشِعّة فسيكون ولا بد خيارَهم.. دون إهمال بناء القدرات والأدوات المطلوبة لإدارة الصراع عند تثبيت الحكم الإسلامي..
هل يمكن تشبيه حال الإسلام اليوم بحاله في بداية الدعوة مستضعفاً في مكّة؟! وبالتالي علينا الرضوخ والقبول بغير ما أنزل الله تعالى! لا بد من الجمع بين قول الحق وبين تقبل الشريعة والعزة بالدّين.. الصحابة في مكّة كانوا يصبرون على الإيذاء الذي تعرّضوا له بسبب الصدع بالدعوة ولكنهم لم يكونوا أذلاء.. (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ) (الأنفال: 26) لأن الله تعالى قال: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) (الحجر: 94).. فلا بد من التركيز على البوصلة الحقيقية وهي الحكم بما أنزل الله تعالى.. دون إغفال الهدف الأساس وهو تعبيد الناس لله جل وعلا.. فمقصد الدّين هو تعريف الناس بالله قبل الخلافة وبعدها يكون التقدم نحوها بحسب الإمكانات وبحسب مقتضيات الحكمة..
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة