ما اسم ضرتك؟
الجميع لا يحب الطلاق، ولكننا نعرف أنه لا يمكن أن لا يكون مشروعاً، ونحن النساء لا نحب التعدد ولكننا نؤمن بتشريعه.. كمثل المريض إذا احتاج للعملية: يأنس بذلك صاحب المشفى لأنه سيستفيد، ولكن المريض يتمنى لو أنه لم يفعل، علماً أن بعض العمليات تكون تجميلية مؤنسة وفي كلا الأحوال يتمنى أنه لو لم يحتج إليها.. هذا انطباعنا نحن النساءعن التعدد ...
عندما ألقيت محاضرة حول هذا الموضوع على طالباتي وكانت من المقرر.. بدأن بالثورة من ذكر العنوان، فانتظرتهن إلى أن هدأن، وسألت واحدة منهن: ما اسم ضرتك؟ فاستغربت قائلة: أنا لست متزوجة. فقلت لها: لم تثورين إذاً على ضرتك وهي ليست موجودة؟
لقد أفهمتهن أنه ليس من الضروري أن يكون لهن ضرائر، ولكن عليهن أن يركزن على الرجل الصالح، والرجل الصالح مع ضرة أفضل من طالح، ولكن الصالح بدون ضرة أفضل وأهنأ عيشاً وأدوم وداً، وإن كان هذا الكلام قد لا يكون صحيحاً في كل حالة ..
ويجب علينا أن نقبل التعدد بل إن رفض تشريعه كفر بما أنزل الله، ثم إن رضا الزوجة بالتعدد ليس دائماً معتبر، وإنما رضاها بزوجها هو المعتبر.. إن الشرع لم يطلب من المرأة تقديمه للزوج على طبق من فضة، بل لا يجب عليها ولا يندب لها تقديمه أصلاً، وإن أثيبت على هذا في بعض الحالات، وإنّما الزوج هو من يجب عليه أن يقدّمه على طبق من ذهب أو فضة إن كان يريد الحفاظ على ود زوجته، أما إن لم يكن يهمه ودها فليهمه رضى الله وتقواه.
وبالنسبة للرجل: إنسان مسؤول عن عمارتين، قد يكون مالكاً لهما ومستأنساً بريعهما، وهما على أفضل حال، وقد يكونا بكل ما لهما من نفع مرهقتان بالتكاليف أو لا يقدر على تكاليفهما، أو أن ريعهما بالكاد يغطي نفقتهما، أو قد يكون مشرفاً عليهما، أو قد يكون بواباً فيهما.. ولو سألت كل واحد من هؤلاء لاختلف موقفه من هاتين العمارتين، فتمنى البواب لو أنهما واحدة وله نفس الأجر ..
لذا من سطحية التفكير عند البعض أن يدعو إلى سن قانون يقيد التعدد، وذلك بأن يكون لمريد التعدد أسباب واضحة للإقدام عليه.
إن تقييد التعدد بأسباب أو حالات هو عين الجرح لكرامة المرأة، بل أكاد أجزم بأن ما يثير المرأة من التعدد هو خشية أن يشار إليها بأن فيها نقصاً أو عيباً إذا ارتبط زوجها بثانية.. إضافة إلى ما في ذلك من تدخّل محرج في حياة الناس وظروفهم..
والله تعالى - الحكيم الذي يضع الأمور في مواضعها، ويعلم ما تصلح به الحياة - شرّعه ولم يجعله مقيداً في حالات معينة أو مرتبطاً بأسباب محددة لأن في ذلك تدخلاً واضحاً في حياة البشر، وفضحاً لأسرارهم واختياراتهم وطبائعهم.. ولكنه بيّن حكمه: فالتعدد تعتريه الأحكام الخمسة؛ فقد يكون واجباً أو مباحاً أو مندوباً أو مكروهاً أو حراماً، وحالات ذلك مفصّلة في كتب الفقه الإسلامي.. ثم بعد ذلك بيّن واجباته والتزاماته، وعلى من أراده أن يلتزم بها وإلا كان متعدياً لحدود الله، وكان ظالماً مثله مثل أي ظالم يجب أن يعاقبه القانون إضافة إلى سخط الله وعذابه، وترك الأمر بعد ذلك بناء على ما يختاره الأفراد. فلنترك البشر في حالهم، ولا نتدخل بحياتهم الخاصة، فهناك من يحتاج للزواج وهناك من لا يحتاج إليه، ولدينا من الرجال من يستحق عشر نساء، ومنهم من لا يستحق ظفر امرأة، ومنهم من لديه امرأة تساوي عشرة رجال وهو يساوي مائة، ومنهم ومنهم ومنهم ..
وكم أتمنى الكف عن تناول الموضوع من الرجال وكأن كل رجل متفضّل على زوجه إذا لم يقترن بثانية، وكذلك أتمنى من النساء الكف عن تناول هذا الموضوع وكأن ضرة كل واحدة منهن تقف على الباب ولو أنها لم تتزوج بعد، وأتمنى من بعض من تصدروا الدفاع عن حقوق المرأة: أتمنى منهم الكف عن تناوله وكأنهم أولياء أمر للرجال وللنساء أو وكأنهم سيجدون أذناً صاغية لما يقولونه؛ فمن سيعدد لن يأخذ رأيهم، ولن يفيده كلامهم بقدر ما يفيده حسن اختياره لزوجه وتقدير وضعه، ثم تقوى الله تعالى بعد ذلك، وكذلك بالنسبة للمرأة فإن رأيهم لن يفيدها بقدر ما يفيدها حسن اختيارها لزوجها..
وهناك من الأمثلة الكثير عن أسر كان التعدد عليهم نعمة وبعضهم كان عليهم نقمة، وأولاً واخيراً: النساء تختلف والرجال يختلفون، وتختلف ظروف الحياة، وتتنوع فيها النعم وتتنوع الابتلاءات.. لذلك تناول الشرع موضوع التعدد بتشريع أحكامه وتنظيمه واشتراط العدل بالدرجة الأولى، وأمر بالتقوى، واللهم حوالينا ولا علينا..
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن