الدعاء
﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].
أهمية الأمر تكمن بعظم بدايته، فها هي أكمام غموض المستقبل تتفتَّح بالدعاء والتضرع والابتهال، وصفحاتُه المجهولة تقلب بأيدٍ إلى السماء ضارعة.
إنه (العبادة) الدعاء، حجر أساس في بيتٍ أُسِّسَ على التقوى، دعوات ثلاث أجملتْ في عبارة معجزة حقًّا، كل منها تشكل منهلاً عذبًا للواردين بانتظام رأي، وانسجام فكر، ولعله المطلوب الأول والأغلى، والأجل والأهم؛ زوج يرضى بزوجه إن نظر إليها، ويحقق ما هو أكثر من الرضا (قرة العين)؛ فبقرار العين تسكن فلا تنظر إلى غيره، وتراه الوحيد الفريد الذي يلتئم ونصيفه.
شطر يعتزُّ بشطره ويفخر، شطر يغض الطرف عن الأخطاء والهنات، شطر يأبى أن يجمع الزلاَّت لنشرها على الملأ، أو يبثها للجارات.
الزوج الذي تقر به العينُ هبةٌ من الواهب -سبحانه- يرخي على بيت الزوجية خمائلَ السكون والطمأنينة والرضا، وإن لم ينظر زوج إلى غير زوجه، قُتلت المقارنة في مهدها، وانتحرتِ المكابرة، ودُفن الاحتقار والاستصغار؛ فتتلألأ الوجوه بالبشْر والحبور، بهذا السكن تتحقق غايةٌ عظمى وسيطة في عقد الغايات العليا.
أما الأيدي ما زالت إلى العليِّ متوجهة وسائلة "وذرياتنا"، فمنذ اللحظة الأولى نسأله أن يرزقنا ذرية صالحة، أميط اللثام عن الغاية من الزواج، ألا ما أروعها من غاية: ذرية تقرُّ بها العين!
يا للروعة! إن الأشواق تطير إلى الفراخ الزغب وتحتضنهم، وتدعو لهم قبل أن تراهم؛ فقد بدئ استقبالهم بالدعاء، وقبل أن يبشر بهم كان الدعاء لهم، واستمر خط الدعاء موازيًا لحياتهم حتى وداعهم.
ذرية تقر بها العين، ذرية صالحة نافعة للوالدين وللأمة، ذرية تبني بقوة، وتحمل الكتاب بقوة، وتبلغ بحكمة، ذرية لا تقتل بالكسل والتراخي، ولا تهمل باعتبارها هامشية أتتْ على الحياة لغير ما غاية.
وما زالت الأيدي متوجهة للعلي: ﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾، اجعلنا - نحن، والذين قرت بهم أعيننا - إمامًا، لمن؟ للمتقين لا غير.
فلتذهب كل الزُّمَر الأخرى إلى غاياتها، وتبحث لها عن نهاية، ونحن لا نريد، ولا نبحث، ولا نحلم بأغلى من أن تكون للمتقين إمامًا.
وهذا الحلم يحتاج إلى سعيٍ، وهذه الرؤية يرسم خطتها الوعي؛ فالتَّقوى هي زمام أمر الخير كله، والذي لا يبلغ إلا بغاية الجهد، وكما عرَّفها الإمام علي: "هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".
إنها نقاط حساب أحكمتْ على مقياس التقوى؛ لمراجعتها دومًا، ومعرفة هوية المحاسب لنفسه.
إنه دعاء ورجاء وابتهال، أهلٌ لأنْ يُنظر فيه، ويُقدَّر، ويُكرَّر.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة