الربيع النبوي بوصلة الأمة في ربيعها
حجم التضحيات التي يبذلها شباب المسلمين اليوم في أكثر من بلد عربي يُدهش البعيد قبل القريب، ويُنبئ عن الخير الباقي المتجذر في هذه الأمة، ويوضح بأن هذه الأمة أصيلةٌ أصيلة، وأنّ مقوّمات وجودها واستمراريتها ذاتية مهما تراكمت عليها الخطوب.
هي الأمة إذاً، تُكسبها الابتلاءات المزيد من المتانة والصلابة، وتحرّك في أبنائها الفاعلية، فينطلقون ليزيلوا عنها الغبش كلما خبا وَهَجُها... مثَلهم كمثل الصائغ الحَذِق الذي يعرف كيف يعيد للجوهرة رونقها...
ذلك أنهم فيضٌ من ذاك السَّنا الذي أضاء الجزيرة العربية بمولده صلّى الله عليه وسلّم :
أضاءت الأرض نوراً يوم مولـده
وأصبح الكونُ من أنفاسه عَطِرا
من بطن آمنةَ للعالمين بدا مولودٌ
حُـسنُ سَنـاه يُخْجِل القَمَرا
جـاءت ملائكةُ الرحمن تشهدُهُ
كَـيْما تُمـتّعَ من أنواره النَّظَرا
وكما استحالت صحراء الجزيرة العربية واحاتٍ مخضرّة... فكذلك اليوم تتمتع أمّتُه بربيعها... ذلك أنها بدأت تتلمس خُطا حبيبها وقدوتها صلّى الله عليه وسلّم من جديد فاكتسبت من ربيعه حُلَلاً وألواناً وأنواراً.
هذه المكانة في العالمين لم يمنحها ربُّنا لصَفِيِّه صلّى الله عليه وسلّم ولا لأُمته من بعده بسبب شرف الحَسَب والنسب... وإنما لدينٍ له قيم ومبادئ لا يحيا الإنسان بغيرها... هي هي التي يثور من أجلها الثوّار، ويجاهد المجاهدون، وتنتفض الشعوب...
فعلى سبيل المثال: الأخلاق، الحرية، المساواة، والعدل... كلها قيم ميّزت رسالة الإسلام... وهي موضِع صراع وتنازع في عالمنا بين مَن يطلبها ويدفع روحه لينالها، وبين مَن يشوّهها ويصادرها... وصنفٌ ثالث يتاجر بها لقاء ثمن بخس ليلحق به وبسلالته الصَّغار والهوان جيلاً بعد جيل إن استهوتهم تلك التجارة وذلك البيع...
فمن بلاد الثورات تستوقفنا نماذج لا يمكننا تخطّيها:
< "سأذهب للعلاج في الولايات المتحدة الأميركية وأعود إلى صنعاء رئيسًا للمؤتمر الشعبي العام، وأطلب العفو من كل أبناء وطني رجالاً ونساءً عن أي تقصير حدث أثناء فترة ولايتي، وأطلب المسامحة وأقدّم الاعتذار لكل المواطنين".
هكذا ببساطة؟! مئات من خيرة شباب اليمن ونسائها وأطفالها قتلتَهُم، دمّرت اليمن ومؤسساتها، نهبت ثرواتها... ثم لم تجد سوى "عفواً" على "تقصيرك" تقدمها للثكالى والأرامل والأيتام ولجميع مَن ظلمتهم؟ وماذا يفعلون بـ "عفواً"؟ هل تعيد لهم أبناءهم؟ هل تُرجع لهم حقوقهم التي صادرتها عقوداً؟
لقد كان من مقتضى عدل الله سبحانه وحكمته أنّه أوجب القصاص في القتلى؛ وهو قيمة كبرى قاعدتها العدل بين الناس وثمارها كَف أيدي المجرمين وردعهم: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى}... وجعله حياة وبقاء لبني الإنسان: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}...
فمنذا الذي يحق له العفو عنك وفي عنقك دماء الأبرياء؟
< وهذه صورة من ميدان آخر... تحت عنوان: الغرب يفتح باب "المنفى" أمام بشار؛ حيث تناقل عدد من وسائل الإعلام الخبر الآتي:
كشف مسؤولون غربيون عن أن الولايات المتحدة وحكومات أوروبية ودولاً عربية بدؤوا بحث فكرة خروج الرئيس السوري بشار الأسد إلى المنفى... مع منحه حصانة كاملة من أي مساءلة أو ملاحقة قانونية!
نموذج آخر من "أزمة القيم" التي يعاني منها الشرق والغرب على حدٍّ سواء: فمن فوّض هؤلاء بتبرئة ساحة السفَّاح ونَقْله مرفهَّاً إلى حيث لا تطاله يد القانون؟ 7832 شهيداً من سوريا حتى يوم (5 شباط) والعدّاد لا يتوقف بل يسجل في كل لحظة شهيداً تلو الشهيد... في التصور الغربي هذا الجزّار لا يحاكَم بل يكرَّم على جرائمه؛ فقد أصدر اتحاد كتّاب روسيا الذي يضم أكثر من 7500 كاتب ومؤلف قرارًا بتخصيص جائزته المميزة لأحد أهم رجال الحقل السياسي والاجتماعي والحكومي وهو - من وجهة نـظرهم - الرئيس بشار الأسد، وقال رئـيس اتحاد كتاب روسيا البروفيسور فاليري غانيشييف: "اخترنا تقديم هذه الجائزة لرئيس الجمهورية العربية السورية لصموده في مقاومة الهيمنة الغربية..."!!!
هم الغرب أصحاب المطامع والمخططات في الشرق الأوسط تُقلقهم الثورات؛ فهي تهدد مصالحهم وتقضي على آمالهم في إطالة أمد سيطرتهم على بلاد ومقدّرات المسلمين... فقد اعتبرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن الثورات العربية المتصاعدة تشكل تهديداً فعلياً للنظام الإستراتيجي العالمي، مؤكدة أن الغرب لا يكلّ ولا يمَلّ أبداً في سعيه للسيطرة على الشرق الأوسط، مهما كانت العقبات... وأكدت أن أميركا وحلفاءها يحاولون ترويض الإسلاميين الصاعدين إلى حكم الدول العربية على السياسة الأجنبية والاقتصادية، بدلاً من تفسيرات الشريعة"*.
وكما قال أحدهم: القافلة تسير والكلاب تنبح... فبغضِّ النظر عن مواقفهم، ما على الشعوب إلا أن تتابع ثوراتها حتى تستكمل أهدافها؛ فإذا كانت أميركا والغرب يريدون ترويض الإسلاميين ليكونوا حرّاس مصالحهم في بلادهم، فربُّنا جلّ وعلا الذي أذن لكم أيها الثائرون الأحرار بأن تصنعوا مستقبلكم، يريد منكم أن تطبِّقوا قانون شريعته في البلدان التي تقلّدتم زمامها بعد تهيئة الأرضية المناسبة بتدرج ينقل الناس من طور إلى آخر حتى يستقيم الحكم بما أنزل الله فيها... وهذا دونه تضحيات جسام ستكونون بإذن الله أهلاً لها.
بالطبع، الثورة ورجالاتها ليسوا مطالبين بعمل المعجزات، ولكنه تعالى قادرٌ بعد أن يبذل عـباده الأسباب أن يـمكّن لهم وينصرهم طالما أنهم يسعَون لإقامة شرعه في البلاد التي يحكمونها.
فلقد صنع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من صحابته "نخبة حقيقية" وصاغ شخصياتهم على الصفات التي شهد لهم بها الحق تبارك وتعالى ليكونون أهلاً لإقامة حكم الله في الأرض ولتبليغ دعوته: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ معه أشدَّاءُ على الكفَّارِ رُحماءُ بينهم تراهم رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ...}. ثم قطف ثمار هذه التربية: {... كزرعٍ أخْرَجَ شطْأَهُ فآزرهُ فاستَغْلَظَ فاستوى على سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ليَغيظَ بهمُ الكُفَّارَ}.
فأنتم يا قادة الثورة ونخبتها عليكم أن تتربَّوا في مدرسة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لتكونوا على شاكلة ذلك الزرع الذي أخرج نِتاجه ثماراً تُرضي الله تعالى وتقرّ عين رسوله صلّى الله عليه وسلّم في أمته
* المصدر: صحيفة اللواء - بيروت - مترجم عن تقريرٍ نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن