ما بعد أسطول الحرية (2-2)
كتب بواسطة بقلم: ديمة طهبوب (مع اختصار يسير)
التاريخ:
فى : المقالات العامة
950 مشاهدة
"اعتصام مع الأحباب ومظاهرة ضد الأعداء"
شارع ضيق محفوف بالبيوت والسيارات على جنبيه، ولكن وجود السفارة التركية فيه كان كافيا ليصبح برحابة العالم، وسعة الدنيا بأسرها، كان مشهدا عجيبا، فالاعتصامات والمظاهرات وسيلة للتعبير عن الغضب والإدانة، إلا أن هذا الاعتصام كان حافلا بالابتسامات والأطفال والبالونات
وكان عنوان السياسة هذه المرة المودة والامتنان، وابتعد الصراع والكيد والمصالح عن سيادة الموقف، جميع من حضروا تواجدوا عن سابق إصرار وترصد لشكر تركيا ممثلة بسفارتها في الأردن، جميع الحاضرين شعروا أنهم صغار أمام عظم التضحية التركية التي أصر أفرادها من قادة الأسطول على حماية العرب الموجودين على السفينة بوضعهم في الطبقة الوسطى، وفوقهم أتراك في المقدمة، وتحتهم أتراك في المؤخرة، وهو يقولون لهم: اثنان وستون عاما وأنتم تضحون عن الأمة والآن حان دورنا لنشارككم الجهاد والأجر، وقد نسي الأتراك حينها أنهم دافعوا عن أمة العرب والإسلام مئات السنين في خلافتنا العثمانية، جميع الحاضرين أحسّوا بصدق حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: "أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله". فلقد اكتسحت موجة المحبة وأمطار المودة قلوب الأمة لتركيا دولة وحكومة وشعبًا، لتزهر بإذن الله علاقات راسخة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها في كل حين، لرفعة ونصر الأمة.
أما المظاهرة الثانية فكانت أمام سفارة العدو الصهيوني، وبدت منطقة الرابية على اتساعها أضيق من خرم الإبرة، وصدق الشاعر إذ قال:
أرض الفلاة مع الأعداء فنجان سم الخِياط مع الأحباب ميدان
فهذه المنطقة الراقية من عمان تبدو كجيفة نتنة باحتوائها على هذه السفارة التي يلوث وجودها ثغر الأردن الباسم بقاذورات الصهاينة، وما يحيكونه بليل من جاسوسية وإفساد تعيب مواقف الأردن المشرفة تجاه شعب فلسطين خاصة والأمة جمعاء.
كانت رغبة المتواجدين أن يسيروا إلى السفارة، ولكن يبدو أن هناك توجهًا كان يدعو إلى ضبط النفس، وما ضبط النفس في وقت اشتعالها إلا حماقة كبرى كإطلاق النفس في وقت ضبطها، إن من يريد الذهاب إلى مقر سفارة العدو تحديدًا لا يجب أن يذهب لإطلاق الشعارات والتهويش فقط، إن هذا المكان إما أن يشهد إرادةً بإمضاء المسير نحوه وإلا فالكف عنه أولى.
"كنا نريد شيئا من الأكشن" هكذا قال بعض المتظاهرين، ويقصدون المواجهة مع الشرطة المتواجدة في محيط السفارة، وما يعقبه من ضرب بالهراوات، وإطلاق المياه والغاز المسيل للدموع، والاعتقالات. أصبحت مواجهة شرطة بلادنا أقصى مشاريعنا الثورية! مع أن الأصل أن تكون شرطة بلادنا من يدعمنا ويحمينا، بل ويقودنا في مواجهة أعدائنا جميعًا.
بعد أن انطلقنا راشدين وقفلنا إلى دُورِنا بخُفَّيْ حُنين، شاهدنا سيارة شرطة كتب عليها (وحدة المهام الخاصة) فما هي يا ترى هذه المهام الخاصة؟؟ هل يندرج تحتها مثلاً استهداف ذلك المدعو بالسفير وسفارته؟؟ هل يتضمن عملها فتح الطرق للمتظاهرين وتسهيل الوصول إلى تلك السفارة؟ أم هو فهم خاطئ تسلل إلى عقول المتظاهرين مع حرارة الشمس فاعتقدوا أن شرطة بلادهم، الخاصة والعامة، منهم وإليهم؟!
* رقّصني يا جدع!
بعض الإسفاف يحتاج عناوين مُسفّة للتعليق عليه، فاللطمة الإسرائيلية على وجوه العرب ما زال أثرها موجعًا، والشهداء ما زال دمهم لم يبرد، والمفقودون ما بان أثرهم، والأسرى بالكاد عادوا إلى دولهم، ونحن نرى بعض الأنظمة الرسمية تسمح بنصب شاشات عملاقة في الساحات العامة لدعم مرشحي ستار أكاديمي، وتوصي في التلفزيونات والجرائد اليومية بالتصويت لهم؛ لأنهم يمثلون بلادهم ويرفعون رأسها عاليًا، ونتساءل: منذ متى كان الغناء والرقص يرفع الرأس؟ على ماذا نرقص ونغني؟ أزالت "إسرائيل"؟ حررنا فلسطين والعراق؟ أعادت الأمة العربية والإسلامية إلى سيادة العالم؟
لقد أرسلت واحدة من مدارس الرقص، التي تسمي نفسها تجاوزًا بالأكاديمية، رسائل خلوية لدعوة الناس إلى تعلّم رقص التانجو والسلسا، ويا ليتها اقتصرت فقط على الوحدة ونص!!!
لا ندري كيف نقيّم هؤلاء وغياب أدنى درجات الإحساس عندهم؟ أهو نقص الدين، أم قلة الأخلاق، أم ضعف الانتماء، أم كلها مجتمعة؟ لقد تحرك الغربيون والمُلحدون لنصرة عرى الإنسانية، فما بال بعض العرب والمسلمين اسمًا قد طُمس على قلوبهم وعقولهم فما عادت تعرف معروفًا ولا تنكر منكرًا؟!
أين السلطات الرسمية عن مثل هؤلاء الذين يشذّون على إجماع الشعب ومنطق النخوة والشرف؟ أين محافظ العاصمة الذي يرفض النشاطات الاجتماعية والسياسية دون إبداء الأسباب؟ هل يعلم ويصرح بوجود وأعمال هذه المراقص التي تسمي نفسها مدارس؟
* "خذوني معاكم لن نويتو عالسفر".
ما أعظم حسرتنا ونحن نشاهد النساء من كل عرق وجنسية على متن أسطول الحرية، ونحن قعيدات البيت نلهو بأمور الدنيا ولا نحصِّل من الجهاد إلا أدنى درجاته، ونحفظ قصص أم عُمارة وهي تدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أُحُد فتدخل الجنة وأهلها بذلك، وأم حرام تطلب من رسول الله أن تكون ضمن الجيش الذي يغزو البحر لعظم أجرهم.
ونحن نرى صور النساء كان في النفس تساؤلات عديدة: ماذا لو كنا مكانهن؟ أكنّا سنصمد؟ أكنّا سنخاف؟ أكنّا سنتحدى الصهاينة؟ هل تتحول الشجاعة النظرية التي نعرف مبادئها ومواقفها إلى عمل ومقاومة أم أن قلوبنا وأجسادنا وهنت من قلة الاستخدام؟
إنا لنأمل ألا تبقى المرأة في خانة المهمشين والمستضعفين، فإن نفوسهن، كما الرجال، توّاقة للجهاد إن لم يكن بالعلم والوظيفة والخبرة فبأعمال المرأة بالتمريض والتنظيف والسقاية والطبخ، فالرسول عليه أفضل الصلاة والسلام لم ينحِّ النساء ولا عن جيش من جيوش المسلمين، ليُعلِّم المسلمين من بعده أن دورهن مطلوب وأساسي.
* ماذا بعد الكلام؟ ادفعوا الثلث طمعًا في رزق الغمام .
انتهى الكلام والتنظير والتظاهر والاحتفال بالعائدين، ودُفن الشهداء، وبدأ أوان الشّد فاشتدّي زيم، بدأ أوان العمل والتحضير للقافلة والأسطول القادمين حتى يعلم الصهاينة أنّ الخير باقٍ في أُمّة محمد، وأن جيش محمد بدأ يعود حقًا وفعلاً لا مجرد شعار، ولقد اشترى الصحابة الجنة بأموالهم مرارًا كما فعل عثمان بن عفان، ولكن نفس الإنسان تخاف عسر الدنيا، وأكبر استثمار أن يأتي العوض والخلف في الدنيا قبل الآخرة من الله سبحانه وتعالى، ولنا في عاجل البشرى ما ورد في قصة صاحب الحديقة في صحيح مسلم: "بينما رجل يمشي بفلاة من الأرض سمع صوتاً في سحابة يقول لها: يا سحابة، أمطري على حديقة فلان بن فلان، فإذا توسطت السحابة من هذا البستان؛ أفرغت ما فيها من الماء، والحدائق عن يمينها وشمالها ما أصابتها قطرة، فيأتي الرجل إلى فلاح بسيط يسوي الماء بمسحاته، ويقول له: ما اسمك؟ قال: اسمي فلان بالاسم الذي سمعه في السحابة، فيقول: وما شأنك بي؟ قال: إني سمعت صوتاً في السحاب يقول: اسق حديقة فلان، فماذا تصنع بمالك؟ قال: هوما رأيت، أنا أقسم المال إلى ثلاثة: ثلث أتصدق به، وثلث آكله أنا وأولادي، وثلث أعيده في هذه الحديقة".
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن