نرعاه ويرعانا
توجه إلى إحدى الدوائر للحصول على أحد التراخيص، في الطابق الأول من المبنى،اجتمع الموظفون على مائدة الإفطار، وكانوا في الحقيقة كرماء فدعوه للإفطار معهم... صعد إلى الطابق الثاني بحثا عن الموظف المعني بالأمر، فظن أنه مازال في نفس المكان لأن الصورة تكررت: الموظفون مجتمعون حول الإفطار! وأيضاً الكرم العربي حاضر.. أما في الطابق الثالث حيث سيجد ضالته هناك، كان الأمرمختلفاً! الموظف غير موجود لأنه خرج لتناول الإفطار خارج المبنى!! إنه التميز والاختلاف!
خرج المراجعُ الضائعُ وقته وهو يتحدث مع نفسه : ثم نغضب عندما يعتدى على رسولنا ؟!
وفي مكان آخر من الكرة الأرضية غير بعيد، يتكرر الحل الأسهل غير المسؤول، الذي تمارسه المدارس عندما يغيب المعلمون، يصرفون الطلاب فينتشرون في الشوارع، وقد يستمر انتشارهم لساعات!
ثم نتحدث عن التعليم في اليابان وأمريكا وأوروبا وجميع الدول غير العربية، بانبهار وحسرة وندم على ما آلت إليه أوضاع التعليم عندنا!
حضرني ما يحضرني عندما أرى أو أسمع عن مثل هذه وتلك القصص: إنه مصطلح جامع شامل ذكره لنا رسولنا العظيم يلخّص حلاً لمشاكل التأخر في جميع المجالات والميادين: (الرعاية والمسؤولية).
رسولنا العظيم عليه الصلاة والسلام أصدر منذ سنوات بعيدة مرسوماً نبوياً جميلاً مهماً نضمن به الصلاح والخير والتطور والنجاح لبلادنا: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
وقد يدّعي أحد عدم فهم شمولية "كلكم "، ففصّل عليه الصلاة والسلام حتى لا يدع مجالاً للتخمين أوالشك أوالاجتهاد : "الإمام راع ومسؤول عن رعيته "!
لنتخيل في ظل هذا الحديث عالَماً يرعى فيه الإمام رعيته ولا ينسى أنه مسؤول ومحاسب.
إنه عالَم آمن مطمئن راض ناجح واثق قوي، فلا خوف من فقر أو جوع، أو بطالة أو فراغ.. لا ظلم ولا خيانة! العدل قائم، والحقوق مؤدّاة، ومن استحق وصل.
إمامنا الراعي يهتم بالتعليم، مدارسنا وجامعاتنا متميزة رائدة، والمشافي للمحتاجين متاحة دون ابتزاز أو استغلال، وبرامج المراهقين سهلة ميسورة تشغلهم وتسخر طاقاتهم في خدمة الدين والناس، ومشاريع الاستفادة من حماس الشباب متوفرة وكثيرة.. إمامنا الراعي نستطيع أن نصل إليه، هو إنسان مثلنا يأكل ويشرب وينام ويخطئ ويصيب، إن رضيناه والياً علينا كان راعياً لمصالحنا ، وإن لم نرضه رحل في هدوء ورضى.
بل حتى الحيوانات آمنة لأن إمامنا الراعي رحيم حنون، ينثر القمح فوق رؤوس الجبال حتى لا يجوع طير في بلاد المسلمين!
ألهذه الدرجة ؟ ما هذه المبالغة ؟!
ليست مبالغة! أليس هذا ما قاله الإمام الراعي العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه؟
وللمزيد من التفصيل وتأكيد المسؤولية أضاف رسولنا عليه الصلاة والسلام "والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته".
الرجل الأب والزوج والأخ والابن والخال والعم والجد.. يهذّب ويربي ويعطف ويصبر ويدعو لصلاح الأبناء والبنات، ويحافظ على صلاته في المسجد ويصطحب الأولاد معه، وينفق دون بخل أو إسراف، ويجالس زوجته وأولاده ويحسن معاملتهم ويتلطف ويمازح ويشجع ويكافئ ..
فتصحّ نفسيات الأبناء ويحبون الحياة، ويرضون عن أنفسهم وعن أوطانهم وولاة أمرهم، وتقوم المرأة بدورها في الرعاية وهي سعيدة مقبلة محتسبة، وقد رأت أنها ليست وحدها من يكافح ويصبر، بل خلفها إمام مهتم مسؤول ورجل مهتم مسؤول، فلا تشعرها أعباؤها أنها وحدها في ميدان الرعاية والمسؤولية، وهي التي أعطاها رسولنا دورها في بناء المجتمع السوي الصحي المنتج عندما كلفها هي أيضا بالرعاية: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها"!
أمّ راعية وزوجة ودود محبة وابنة بارة مطيعة، هل يحتاج بعدهم الأبناء إلى كثير من الجهد في التربية؟
"والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته"..
حتى الخادم راع؟
سبحان الله ! إمام راع ورجل راع وامرأة راعية وموظف راع.. وصفة لمجتمع هانئ مرتاح .
مرتاح؟ لا مشاكل!
المشاكل والمحن والابتلاءات موجودة لأن الله خلق الإنسان في كبد، ولأن الدنيا دار ابتلاء وصبر، لكن الرعاية ستجعلنا نجتاز الامتحانات برضى عن الله وعن أنفسنا، ستجعلنا الرعاية قانعين شاكرين حامدين يظللنا الشعور بالحنان والعدل والمساواة في مجتمع نحن كلنا نرعاه ويرعانا.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن