إجازة في الإعلام من جامعة بيروت العربية...دبلوم في الإدارة... مديرة تحرير مجلة منبر الداعيات... مشرفة على قسم الطالبات في جمعية المنتدى الطلابي المنبثقة عن جمعية الاتحاد الإسلامي... عضو إدارة القسم النسائي في جمعية الاتحاد الإسلامي... المسؤولة الإعلامية لتجمع اللجان والجمعيات النسائية اللبنانية للدفاع عن الأسرة ممثلة جمعية الاتحاد الإسلامي.
حروب الرسول صلى الله عليه وسلّم... إنسانية بامتياز
لم يكن من أهداف الحروب التي خاضها رسول الله صلى الله عليه وسلّم: إحداث توازن قُوى ورعب في المنطقة، أو وضع اليد على مقدّرات الشعوب وثرواتها، ولم يكن هدفه الهيمنة كما هو الحال مع الدول "المتحضرة" في عالمنا المعاصر؛ التي تفتعل الحروب لأهم هدفين: استئصال الإسلام من واقع حياة المسلمين والسعي الحثيث للحد من بلوغه مرتبة العالمية، والاستيلاء على ثروات الشعوب لإفقارهم وجعلهم أبداً متسوّلين عند أعتابهم... وما حروب "الإرهاب"
في الشيشان وأفغانستان والعراق وبورما إلا تطبيقاً عملياً لهذه الحقيقة... وما اعتداء فرنسا مدعومة بحلفائها من العرب والغرب على مسلمي مالي عنا ببعيد...
لم تكن معارك النبيّ صلى الله عليه وسلّم كتلك من غير قِيَم... إنما كانت حروباً إنسانية بامتياز؛ فقد استهدفت:
- تحقيق منهج الله بما فيه من خير الإنسان وصلاح معاشه على هذه الأرض... تحقيقُه باعتباره حكمَ الله الذي لا يتحقق هدف الحياة بدونه: {وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليعبدون}.
- تحرير الإنسان من عبودية غير الله: (اللهُ ابتعثنا لنُخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سَعَة الدنيا والآخرة، ومن جَور الأديان إلى عدل الإسلام)، إنها الكلمة الخالدة التي تردَّد صداها في الزمان والمكان... خرجت من قلبٍ طاهر صِيْغ وفق منهج الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم... إنه رِبْعي بن عامر ذلك الصحابيّ الشاب الذي واجه رُستم بكل العزة التي أُشربها قلبه... فدفعه للقول: هل رأيتم كلاماً قَط أوضح أو أعز من كلام هذا الرجل؟
- ضمان نجاة الإنسان يوم القيامة: "إنما مثَلي ومثلُ الناس كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدوابّ التي تقع في النار يَقَعْن فيها، فجعل ينزِعُهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بحُجَزكم عن النار، وأنتم تقحَّمون فيها" متفق عليه. وهو أروع تمثيل لرحمة النبيّ بالناس أجمعين: {وما أرسلناكَ إلا رحمةً للعالمين}... وعيِّنة من حرصه على هداية الخلق أجمعين...
ومن دلائل إنسانيته صلى الله عليه وسلّم في الحروب: حرصُه على دماء غير المحاربين وعلى أعراض الناس وأموالهم وممتلكاتهم... وفي ذلك يقول د. راغب السرجاني في مقالة له بعنوان: "عدم دموية حروب الرسول صلى الله عليه وسلّم": "لقد قمت بإحصاء عدد الذين ماتوا في كل غزوات الرسول صلى الله عليه وسلّم وحروبه، سواء من شهداء المسلمين، أو من قتلى الأعداء، ثم قمتُ بتحليل لهذه الأعداد، وربطها بما يحدث في عالمنا المعاصر، فوجدتُ عجبًا!!
لقد بلغ عدد شهداء المسلمين في كل معاركهم أيام رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وذلك على مدار عشر سنوات كاملة، 262 شهيدًا، وبلغ عدد قتلى أعدائه صلى الله عليه وسلّم 1022 قتيلاً، وقد حرصت في هذه الإحصائية على جمع كل من قُتل من الطرفين حتى ما تم في حوادث فردية، وليس في حروب مواجهة، كما أنني حرصت على الجمع من الروايات الموثَّقة بصرف النظر عن الأعداد المذكورة، وذلك كي أتجنب المبالغات التي يقع فيها بعض المحققين بإيراد الروايات الضعيفة التي تحمل أرقامًا أقل، وذلك لتجميل نتائج غزوات الرسول صلى الله عليه وسلّم! وبذلك بلغ العدد الإجمالي لقتلى الفريقين 1284 قتيلاً فقط!!
ولكي تتضح الصورة بشكل أكبر وأظهر فقد قمت بإحصاء عدد القتلى في الحرب العالمية الثانية - كمثال لحروب "الحضارات" الحديثة - ثم قمت بحساب نسبة القتلى بالقياس إلى أعداد الجيوش المشاركة في القتال، فصُدِمْتُ بمفاجأة مذهلة!!! إن مضاعفة نسبة القتلى في هذه الحرب الحضارية بالنسبة لحروب الرسول صلى الله عليه وسلّم تصل إلى 351%!!!
لقد شارك في الحرب العالمية الثانية 15.600.000 جندي، ومع ذلــــــــك فعدد القتلى بلغ 54,800,000 قتيل!!! أي أكثر من ثلاثة أضعاف الجيوش المشاركة! وتفسير هذه الزيادة هو أن الجيوش المشاركة جميعًا - وبلا استثناء - كانت تقوم بحروب إبادة على المدنيين، وكانت تُسقط الآلاف من الأطنان من المتفجِّرات على المدن والقرى الآمنة، فتبيد البشر، وتُفني النوع الإنساني، فضلاً عن تدمير البنى التحتية، وتخريب الاقتصاد، وتشريد الشعوب!! لقد كانت كارثة إنسانية بكل المقاييس"! ا.هـ.
هو رسولنا الرحيم إذاً... الذي أعطى النموذج الإنساني الأروع في حربه وسِلمه... الذي يزيد نوره ضياءً كلما اشتدّت ظلمة البُعد عن منهج الله واستحكم الكفر والطغيان في الأرض...
هو رسولنا صاحب المقام الرفيع الذي أقسم رب العزة بعمره الشريف: {لعَمْرُك إنهم في سَكرتهم يعمهون}، ويكفيه صلى الله عليه وسلّم مكانته عند ربه سبحانه...
ولئن كان الناس يُحيون ذكرى مولده الشريف بالاحتفالات مع ما يصاحب بعضها من مخالفات شرعية تخالف سُنة صاحب الذكرى صلى الله عليه وسلّم، فإن على المسلمين عموماً أن يرتقوا بوعيهم بمفهوم الاحتفال... فيدركون واقع أمتهم ومتطلّباته (والقارئ الكريم يعرف يقيناً ما يتطلّبه في هذه المرحلة على التحقيق)، وما يحقق لهم الفَهم العميق لمنهج نبيّهم والاجتهاد في تطبيقه قولاً وعملاً... وهذا أعظم احتفاء بصاحب الذكرى... احتفاء يتجدد مع تطبيق كل سُنة... مع هداية كل إنسان... مع إقامة شرع الله ما استطعنا وفق سُنة التدرج التي انتهجها سيد الخلق أجمعين وصولاً إلى المرحلة التي بشّر بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلّم بعد تهيئة الظروف الملائمة لها: "... ثم تكون خلافةٌ على منهاج النبوة" رواه أحمد... ودون ذلك عملٌ مضنٍ على المستوى الفردي والجماعي ثم على مستوى عموم الأمة...
هو الرسول الذي لو كان بيننا لحل مشاكل العالم أجمع بقوة المنهج الرباني الذي بين يديه... وهو بيننا بسُنته؛ فلنستفد من هذا الحضور الدائم ولنجعله أكثر فاعلية في تفاصيل حياتنا.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن