حزب الله وراء بشار.. ماذا عن لبنان؟!
يوم السبت الماضي قطع مئات المتظاهرين اللبنانيين الطريق الدولية التي تربط بين بيروت ودمشق من أجل منع دخول صهاريج تنقل مادة المازوت إلى سوريا، كونها تستخدم في تسيير آلات القتل التي يستخدمها النظام ضد شعبه، وهو موقف نبيل من دون شك، لأنه ينتصر لشعب يُقتل على يد نظام مجرم.
وفيما ينكر حزب الله حتى الآن تورطه المباشر في المعركة لصالح النظام ضد الثورة، فإن توالي سقوط رجاله «في مهمات جهادية» بات يفضح اللعبة، ومع ذلك، فهو يحصر الأمر في القرى الحدودية بين لبنان سوريا، وهي مجموعة قرى يقول إن سكانها من الطائفة الشيعية، كأن أمرا كهذا يعطيه الحق في التدخل.
ليس سراً أن حزب الله قد سلّح أهالي تلك القرى منذ عام مضى (يزعم أنهم اشتروا السلاح للدفاع عن أنفسهم!!)، والسبب هو منحهم القدرة على الدفاع عن أنفسهم ضد الجيش الحر، مع أن دخول الأخير للقرى المسيحية والدرزية لم يؤد إلى المسّ بسكانها، لأن المعركة هي مع النظام وليست مع الأهالي.
لكن الثابت أيضا أن مدفعية حزب الله وصواريخه ما زالت تساعد النظام، ليس في تلك القرى فقط، وإنما في عموم المناطق القريبة من حمص؛ تلك التي يريد النظام الاحتفاظ بها لأن سيناريو الدويلة العلوية ما زال حاضرا في عقله بإيحاء من طهران كمحطة أخيرة في حال اضطر إلى ذلك بعد توالي سقوط المدن الأخرى، وربما في اللحظة الأخيرة قبل دخول دمشق من قبل الثوار.
ليس ثمة أدلة لا تقبل الجدل على تورط حزب الله في المعركة خارج المناطق المشار إليها، وإن أكد الثوار وجودها، لكن الذي لا يشك فيه أحد هو أن خبراء الحزب يعملون مع خبراء إيران في قلب المعركة من أجل إسناد جيش منهار من الناحية المعنوية، وبالطبع مستخدمين ما يملكونه من خبرات في حرب العصابات من أجل مواجهة جماعات الثوار. وقد ذهبت دوائر لبنانية إلى أن الحزب بصدد الإعلان عن مشاركة في المعركة بعدما ضاق الخناق على دمشق، وأن 10 آلاف من مقاتليه قد انضموا للمعركة، أو بصدد الانضمام إليها.
الجنرال الإيراني حسن شاطري لم يكن يمارس السياحة الدينية في دمشق (الذريعة التي تُستخدم غالبا)، والذي قال حزب الله إنه المهندس حسام نويس (مسؤول الهيئة الإيرانية لإعادة إعمار لبنان)، بل كان يعمل في سياق دعم صمود النظام في مواجهة الثوار، لاسيَّما أن طهران لم تجد بدا من الاعتراف بأنه جنرال في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قبل أن تكشف الدوائر الإسرائيلية أن الرجل يمكن أن يكون خليفة لعماد مغنية الذي كان ذراع العمل العسكري لإيران في الخارج أكثر من كونه مسؤولا عسكريا لحزب الله، الأمر الذي كشفته أيضا صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية.
تورط إيران لا خلاف عليه، فهي التي تدير المعركة عمليا في سوريا بخبرائها وأجهزتها، وحين يحدث ذلك، فمن الطبيعي أن يكون رجال حزب الله في ذات المعركة، بصرف النظر عن الأدوار التي يؤدونها.
والحال أن تورط الحزب تحديدا في المناطق الحدودية يُعد عدوانا على الثورة، ولا قيمة لحكاية القرى الشيعية التي يتحدث عنها قادته، فضلا عن كونه تمهيدا لتقسيم البلد في حال قرر النظام الفرار إلى المناطق العلوية في الساحل وتشكيل دويلة فيها.
لا يتوقف الأمر عند حزب الله؛ إذ إن حكاية المازوت التي أشرنا إليها آنفا تؤكد أن الحكومة اللبنانية متورطة أيضا، وقد اعترف وليد جنبلاط، وهو مشارك في الحكومة، أنها لم تلتزم بسياسة النأي بالنفس التي تحدثت عنها، فضلا عن مشاركة الحزب القوية ضد الثوار بأوامر إيرانية كما قال في المعركة.
دعك هنا من الخطاب السياسي المعادي للثورة الذي يتبناه تيار الجنرال ميشال عون، والذي يبدو أنه جرّ المعسكر المسيحي برمته، بدليل أن سمير جعجع لم يعد يصرِّح ضد النظام السوري، فيما انضم لعون (مع حزب الله وأمل) في إقرار القانون الأرثوذكسي (قانون الانتخابات) الذي أعاد لبنان جمهورية طوائف، بل فيدرالية طوائف بالمعنى الواقعي للكلمة، ووجه صفعة للسنة في لبنان.
سيقال هنا: إن تيار الحريري يشارك في المعركة أيضا بدعم الثوار، وهو كلام صحيح نسبيا، لكن الأخير ليس مشاركا في الحكومة، كما أن الدعم الذي يقدم غالبا ما يأتي من جماعات سنية لا صلة لها به، ثم إنه لا يملك ميليشيات كي يشارك، وأقصى ما يقدمه يتمثل في المعونات الإنسانية، وربما بعض الأسلحة، مع أنها جد محدودة.
يبقى القول: إن بعض الفئات السنية التي تتحالف مع حزب الله، ومن ضمنها ميقاتي ما زالت ترتكب بدورها جريمة بحق الشعب السوري، ففي معركة من هذا النوع لا مجال للحياد، فضلا عن السكوت على دعم نظام يقتل شعبه، وثمة فرق كبير من الناحية الأخلاقية بين من يساند نظاما مجرما فاسدا يقتل شعبه، وبين من يقف مع شعب خرج يطالب بالحرية والتعددية.
لقد سقط حزب الله في امتحان سوريا، وارتد حزبا طائفيا لا مكان له في قلوب الغالبية الساحقة من المسلمين، وتلك نهاية بائسة من دون شك، لاسيَّما حين تتزامن مع سقوط للنظام المجرم الذي يرونه ركنا استراتيجيا، ليس لمشروع المقاومة والممانعة كما يرددون، بل لمشروع التمدد الإيراني في المنطقة.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن