دعاة خطّاؤون
نحن لم نُخْلق ملائكةً مُطَهَّرين لا يَعصون اللهَ ما أمرهم ويفعلون ما يُؤْمرون، ولا بَشَراً مَعصومين مُؤيَّدين بِوَحْي ربّ العالمين، ولكننا بَشرٌ خطّاؤون كما شاءَ لنا ربُّنا أن نكون، من ذُرّية آدم الذي قال الله تعالى فيه: {ولقَد عَهِدْنا إلى آدمَ من قَبْلُ فنَسِي ولم نَجِدْ له عَزْماً} طه – 115، ولقد دلَّنا على حقيقة جِبلَّتِنا قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: «كلُّ ابنِ آدم خَطّاء وخَيرُ الخَطّائينَ التَّوابون» رواه الترمذي.
إنه لا يُمكننا أن نخرجَ عن فِطرتنا البشريّة، ونَنْسلخَ من طبيعتنا الآدميّة، فليس فينا من يُصيب فلا يُخطئ ولا مَن يُخطئ فلا يُصيب.
ومما حُفظ من كلمات النبي صلى الله عليه وسلم عن طبيعة العباد الخطّائين قوله: «إن تَغْفِر اللهمَّ تَغْفِر جَمّا وأَيُّ عبدٍ لكَ ما أَلمّا».
ولتطهير النّفس من الخَطايا والذنوب، ومن الدَّنايا والعيوب تواترت النُّصوص، وازدحمت الشواهد التي تدعو العبدَ المذنب إلى التوبة والتطهُّر.
إن المؤمن مكلَّف بأن يَفرَّ إلى الله كلما فَرَّ منه، وأن يَؤوبَ إلى عَلَّام الغُيوب عند طلوعِ كلّ شمسٍ وكلِّ غُروب، والعبدُ المؤمن مهما بلغ في منازل الهُدى، وارتقى في مدارج التُّقى, فإنه موقِنٌ بأنه مُذنب خَطّاء يلتمسُ عفوَ الله ويسألُه رِضاه! وإن آدم عليه السلام لمّا تَلقّى من رَبِّه كلمات {فتابَ عليه إنّهُ هو التَّوابُ الرَّحيم}، كانت تلك الكلمات التي تلقّاها كما ورد في السّنة وفي التفسير: {ربَّنا ظَلَمْنا أنفسَنا وإنْ لم تَغْفِر لنا وتَرْحَمْنا لَنكونَنَّ من الخاسِرين} الأعراف -23.
إنّ حَمَلة الدعوة إلى الله قد يعملون بجِدٍّ وكَدّ، ويحملون من الأمانات العِظام والتكاليف الثِقال ما أبت أن تحملَ مِثلَه الجبالُ الصَّمّاء والسَّموات الطِّباق، لا عِصْياناً وإعراضاً ولكن خَوفاً وإشْفاقاً من ثِقَل الأَمانة!
قد لا يدورُ في خَلَدِ الداعية أن عليه أن يكون رقيباً على نفسه في ظاهِره وباطِنه، وأن يصونَ صِدْقه وإخلاصه بتطهير نيَّته وسلامة قَصْدِه! فإنّ على النشيط المندفع أن يحذَر عُدوانَ الشّيطان الخبيث الذي يُعاديه ويُغويه ويسعى لإِضلاله وإغْوائه بكل أساليبه وألوان خِداعه، فلا يتوانى عن التَّزيين والتّلبيس، فإنّ زَغَل القلب قد يَدقّ ويَخْفى حتى على المرءِ نفسِه.
فليس على النفس شيء أشق من صِدق الإخلاص لأنه ليس لها فيه مَكْسَب ولا نصيب!
إننا قد نرى الدعاة الذين يعملون طمَعاً في الظُّهور، وطلباً للشُّهرة والبُروز، أشدَّ حَماساً وأكثر عطاءً من إخوانِهم المخلصين المتواضعين الذين إذا حضروا لم يُعْرَفوا، وإذا غابوا لم يُفْتَقدوا، أولئك مصابيحُ الهدى، تنجَلي بهم كلُّ فتنةٍ ظَلْماء.
إن مما تُبْتَلى به الدعوة من فِتن تقصِمُ ظَهرَها وتُفسِد أمرَها، ظهورُ دعاة في فورة عاطفتهم، وثورة حَماسَتهم، لا يُبْصرون أخطاءهم ولا يُدركون عيوبهم، فتَعْمى بصائرهم عن اكتشاف زَلّاتهم، وما ذلك إلا من الغُرور الذي يوهِمُهم بأنهم الأخيار الأَطهار!
والحكمة تقول: أيُّ عالمٍ لا يَهْفو، وأيُّ صارمٍ لا يَنْبو، وأيُّ جَوادٍ لا يَكْبو؟!
ولكن الدعوة تتطلّب دعاةً أيقاظاً صالحين يَمضون أبداً في طريق المآب والمتاب استجابةً لربِّ العباد الذي يقول: {والذين إذا فَعلوا فاحِشَةً أو ظَلموا أنفسَهم ذَكَروا اللهَ فاسْتغَفروا لذُنوبِهم ومن يَغفرُ الذنوبَ إلا اللهُ ولم يُصِرّوا على ما فَعَلوا وهم يَعْلمونَ} آل عمران – 135.
فلا بدَّ لبيئة الدعوة الصالحة من أن تجعلَ سَيْفَ الوَعظِ مَسْلولاً، وأَعلامَه مُشْرعة، ومنابرَه مُهتزَّة عامِرة. ولا بدَّ لدعاة الحقّ من أن يتَّعظوا ويتطهَّروا راضينَ أو صاغِرينَ، وأن يَنْحازوا إلى رَكب الصادقين الصالحين.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة