حول تحذيرات نصر الله وتهديدات العامري
في يوم واحد، حذرنا الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله من تداعيات سقوط بشار، وكذلك فعل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، فيما أطلق وزير النقل في حكومته تهديدات لتركيا وقطر بسبب دعمهما لثوار سوريا. ولا داعي للتوقف عند تصريحات كثيرة صدرت قبل ذلك لمسؤولين ورجال دين في إيران، وصل الحال بأحدهم (مهدي تائب) حد اعتبار سوريا واحدة من محافظات إيران، فيما ذهب آخر إلى أن الدفاع عن طهران سيكون متعذرا فيما لو سقطت دمشق بيد المعارضة!!
نصر الله ربط بين الفتنة في لبنان وما يجري في سوريا، موضحا أننا نريد سوريا “موحدة ومتماسكة”، ومضيفا “نحن ضد تقسيم سوريا لأنه مشروع إسرائيلي”، لكن نصر الله لم يجد بدا من الاعتراف بوجود عناصره في القرى القريبة من حمص، وساق ذات التبريرات القديمة حول دفاع أهالي تلك القرى عن أنفسهم، فيما تشير تقريرات بلا حصر عن تورط متزايد للحزب في المعركة في ظل تضييق الثوار الخناق حول العاصمة دمشق.
أما المالكي، فقال إنه “إذا ما انتصرت المعارضة (على النظام في سوريا) فستندلع حرب أهلية في لبنان، وتحدث انقسامات في الأردن، وتشتعل حرب طائفية في العراق”. ثم انضم هادي العامري، زعيم منظمة بدر الشهيرة، والذي يشغل منصب وزير النقل في حكومة المالكي؛ انضم للزفة، حين خرج مهدداً، وليس محذرا، إذ اعتبر أن “تقديم السلاح علنا للقاعدة من قبل تركيا والدوحة”، هو بمثابة “عمل مسلح ضد العراق، لأن هذا السلاح بالتأكيد سيصل إلى صدور العراقيين”، لكنه تجاهل دعم نظامه المتعدد الأشكال لنظام بشار، كما تجاهل عناصر منظمته الذين “يجاهدون” في سوريا إلى جانب النظام، ويدافعون كما يُقال دائما عن مقام السيدة زينب، وهي مشاركة فضحتها الصحف والوكالات العالمية، حين التقت عناصر تشارك بالفعل في القتال في سوريا في ظل حشد يعتبر أن المعركة في سوريا هي دفاع عن أهل البيت ضد النواصب، ودفاع عن عموم الشيعة ووجودهم في المنطقة، في خطاب طائفي مقيت يتجاهل أن أهل سوريا لم يخرجوا من أجل مشروع مذهبي، بل من أجل الحرية والتعددية. ولعلنا نذكر هنا بأن لمنظمة بدر سجلها في ممارسة العنف ضد نظام صدام حسين لأنه “استبداد سنّي”، بينما لا يرى زعيمها بأسا في حكم بشار العلوي لغالبية سنية (دعك هنا من النسب، بين سنة يشكلون نصف السكان، إذا أضفنا الأكراد، وبين علويين لا تزيد نسبتهم عن 10 في المئة من السكان).
نحن إذا أمام سيل من المواقف المنضوية تحت اللواء الإيراني، والتي تصب في مصلحة نظام بشار، ليس على المستوى العسكري والمالي فقط، بل على المستوى السياسي أيضا.
هل أصبح نظام بشار هو الضامن لأمن المنطقة برمتها، وهل حقا سيؤدي سقوطه إلى كل تلك الحروب التي تحدث عنها المالكي. وأية انقسامات تلك التي ستحدث في الأردن بعد سقوط بشار (نفهم طبعا ويفهم الكثيرون ما يرمي إليه المالكي)؟!
من هو الذي يستثير الأحقاد المذهبية؛ هل هو الشعب الذي خرج يطلب حريته مثل كثير من الشعوب العربية التي سبقته على هذا الطريق، أم أولئك الذين وقفوا إلى جانب طاغية يقتل شعبه ويدمر بلده من أجل البقاء في السلطة؟! لقد بات هذا الخطاب مقيتا إلى درجة لا تطاق، ومن الطبيعي أن يغدو نصر الله والمالكي، ومن ورائه الأسياد في إيران من ألد الأعداء في وعي الغالبية الساحقة من الأمة.
ثم لماذا يغدو بشار هو الضامن لوحدة سوريا بحسب خطاب نصر الله؟ ألا يعني ذلك تلويحا بالدويلة العلوية التي لم تغادر العقل الإيراني إلى الآن، وتبعا لها التقسيم بعد أن ترك النظام للأكراد مناطقهم من أجل أن يستقلوا بها في حال ذهب نحو الساحل لتطبيق السيناريو المشار إليه؟! والخلاصة أن التقسيم هو مشروع إيراني أكثر منه مشروع إسرائيلي.
إذا اعتقد نصر الله و غيره وسادتهم في إيران أنهم بهذا الخطاب يخوفون الأمة فهم واهمون، فالمعركة في سوريا لن تتوقف قبل سقوط النظام، وبعد سقوطه لن تكون هناك حروب مذهبية، بل تصحيح طبيعي لمشهد سياسي مشوه في العراق وفي لبنان، ومن وراء ذلك كله تحجيم لمشروع إيران الذي استخف بالأمة كلها.
فليقدموا لبشار ما يشاؤون من دعم وإسناد، وليقفوا في مواجهة غالبية الأمة كما يريدون، لكن ذلك كله لن يحول دون سقوط نظامه، وإذا اعتقدوا أنهم سيذلون غالبية الأمة، فهم واهمون كل الوهم، والأيام بيننا.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة