أختاه... إحذري التّسويف
إنّ نِعَم الله تعالى على عباده جمّة لا تحصى وذلك لكثرتها واستمرارها وتتابع إنعام الله بها وصدق الله العظيم إذ يقول: (وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار) [إبراهيم:34]. ومن هذه النّعم نعمة الوقت، فالوقت عمر الحياة وميدان وجود الإنسان وساحة ظلّه وبقائه ونفعه وانتفاعه وقد أشار القرآن الكريم إلى علوّ قدره وقيمته وذلك في آيات كثيرة ترشد إلى قيمة الوقت، منها: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النّهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السّنين والحساب وكلّ شيء فصّلناه تفصيلا) [الإسراء: 12].
وقد وردت عن النّبي صلى الله عليه وسلّم كثير من الأحاديث التي تبين أهميّة الوقت في حياة المسلم فقال صلى الله عليه وسلّم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من النّاس: الصّحة والفراغ" رواه البخاري، وقال صلّى الله عليه وسلّم:"اغتنم خمساً قبل خمس" وعدّ منها: وفراغك قبل شغلك.
فعمر الإنسان ميدان لأعماله الصالحة المقرّبة إلى الله تعالى وإنّ كل جزء يفوته من عمره خالياً من العمل الصّالح يفوته الخير الكثير. لهذا كان السّلف الصّالح يعصمون أوقاتهم من الضّياع سدىً وكانوا يحرصون عليها اشدّ من حرص النّاس على الذّهب والفضّة وكانوا يبادرون إلى اغتنامها فيما يقرّبهم إلى الله تعالى بالجد والاجتهاد.
وقد قال الحسن البصري "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم".
وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي". وما كلامنا هذا في قيمة الوقت وأهميته إلا لما نراه من تقصير المسلمة في طاعاتها وعباداتها وتسويفها الأعمال الصّالحة واستغراقها بمشاغل الدّنيا وملهياتها وغفلتها عن عاقبتها. فتذكري أختي المسلمة النّساء الأوائل وحفظهن لوقتهن وليكن لك فيهن أسوة حسنة ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أذكر طائفة من أولئك النّساء الحافظات لأوقاتهن:
• السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: التي كانت محل استشارة الصّحابة حينما يشكل عليهم أمر من أمور الدّين وقيل لو وزن علمها بعلم النّساء مجتمعات لرجح علم عائشة على علم النّساء كلّهن. ولم تحصل على هذا العلم الغزير إلا بحفظها وحرصها على وقتها.
• عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية التي كانت في حجر السيّدة عائشة وروت عنها أيضاً وقال ابن سعد: إنّها كانت عالمة.
• زينب بنت أبي سلمة التي قيل: إنّها كانت أفقه امرأة في المدينة.
• وأيضاً أمّ الدّرداء رضي الله عنها التي كانت من العالمات الحافظات لوقتها وكانت تحرص على حلق العلم والدّروس مع زوجها أبي الدّرداء رضي الله عنه.
• وأم الحسن البصري وهي نموذج آخر من نماذج النّساء الحافظات لأوقاتهن حيث أنتج هذا الحفظ علماً غزيراً وفقهاً كثيراً وعبادة جليلة وكانت ترشد النّساء وتعلمهن أمور دينهن.
• بل يصل الأمر بحفظ النّساء لأن تصبح منهن من هي شيخة لإمام من أئمة المذاهب الأربعة: وهذه المرأة هي نفيسة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنها، وهذه كانت شيخة الإمام الشّافعي وكانت أمّية ومع ذلك كانت تحفظ القرآن الكريم وتحفظ الكثير من أحاديث الرّسول صلى الله عليه وسلّم وقال عنها ابن كثير: كانت عابدة زاهدة كثيرة الخير.
فهذه بعض الأمثلة للنساء الحافظات لأوقاتهن، وهي على سبيل المثال لا سبيل الحصر.
واعلمي أختي أنّ خطر التّسويف على المرء عظيم فإنّه يحول بينه وبين عمله فيذهب الوقت دون أن يستفيد. وهذا هو هدف الأعداء ومحصل كيدهم ومحاولاتهم لإضاعة أوقاتنا فهم يحرصون كل الحرص على استثمار أوقاتهم، في الوقت الذي يخططون فيه لإفساد أوقاتنا وإشغالنا بسفاسف الأمور. وقد جاء هذا المعنى في بروتوكولات حكماء صهيون. فاجتنبي أختي المسلمة التّسويف واحذريه وحذّري منه أخواتك في الله فإنّه يؤدي إلى هلاك المرء وضياعه وقد قيل لبعض العلماء: أوصنا، فقال إحذروا (سوف).
وقد قيل:
والوقت أنفس ما عنيت بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة