الطاغية ولعنة الدم
أشعل اللفافة الخامسة، وراح ينفث دخانها بشرهٍ وعصبية، فتذكر أن أطفاله النائمين يضرهم الدخان المنبعث منها، فنهض وأغلق الباب. .
عاد إلى الفراش، ليضع رأسه تحت الوسادة كما يفعل كل ليلة، وقد تناول جرعة مضاعفة من دواء وصفه له أحد الأطباء يستجلب النوم، ويخدر الأعصاب!
لم يمر وقت طويل على إغماض عينيه، حتى أفاقت زوجته، وهو يردد كلمات بصوت أجش، كأنه المخنوق.. أشعلت النور بجوار السرير، فتأكدت أنه نائم...
فراحت تنظر إليه تارة وإلى غرفة الأطفال تارة، وإلى شاشة التلفاز المغلق، فارتسمت أمامها صورة أطفال غوطة دمشق في أكفانهم وقد أرداهم الغاز السام؟!!
تحركت عاطفة الأمومة في داخلها، فأحست أنها بحاجة لأن تضم أطفالها الثلاثة إلى صدرها..
سحبت الغطاء حتى رأسها، وأدارت ظهرها مبتعدة عنه وهو لا يزال يردد كلمات مبهمة بصوت مخنوق.
- 2-
كان للأقراص المضاعفة التي تناولها اليوم أثر في جعله ينام قليلا! ولكن أحلاما مزعجة مرعبة كانت تتوالى وكأنها شريط سينيمائي يُـرغم على مشاهدته!
أطفال ملفوفون بأكفان بيضاء مخضبة بالدم ينهضون من قبورهم، ويشيرون إليه بأصابعهم الصغيرة، محدقين في وجهه، مرددين : يا قاتل!!
مياه النهر وقد تحولت إلى اللون الأحمر تغيّـر مجراها، لتصل إلى بوابة القصر، وتتجاوز الطابق الأول فيهرب منها إلى الثاني.. فتلاحقه وتضطره إلى الصعود إلى الطابق الثالث.. وهو يحاول في كل مرة أن يرتفع إلى طابق أعلى.. أصعدته إلى السطح، وأحاطت به وقد ازدادت تدفقا وحمرة!
أراد أن يتكلم.. أن يصيح.. ففتح عينيه مذعورا وانقلب إلى الطرف الآخر!؟
الضحايا من الرجال يقتربون منه، وقد خلعوا الأكفان ليصنعوا منها حبلا ثخينا!!
تراجع إلى الخلف.. تقدموا نحوه.. تراجع أكثر.. لم يعد بينه وبين حافة الشرفة إلا القليل.. أحدهم تقدم ليضع الحبل المصنوع من الأكفان في رقبته.. رجع.. ثم رجع.. ثم هوى في بركة دم؟!!
الضحايا من البنات الصغيرات يملأن القصر؟! فهنّ على السلالم.. فوق الأسِرّة... عند الأبواب! يتجهن إلى غرفة أطفاله، يجرجرن أكفانهن، ويهدرن بصوت واحد : نريد اصطحاب أبنائك معنا؟! انقطع صوته وهو يصرخ : لا.. لا.. إنهم!
فرمته إحداهن بلفافة قطن مخضبة بالدم، كانت تلف رقبتها، وهي تصرخ : وكذلك كان لنا آباء يحبون أبناءهم!!
- 3 -
لم يعد يدري أهو في حلم أم يقظة؟! أغمض عينيه، ولف رأسه بيديه، وماهي إلا إغفاءة حتى عاودته الأحلام....... ركب سيارته، وانطلق باتجاه المطار بسرعة فائقة.. لم يقف عند أي إشارة.. سيارات بلون الدم تتابعه! كلما أسرع أسرعت.. غيّـر الطريق.. لم يعد ينظر ما أمامه وكلما أراد أن يصعد جسرا وجد رجالا وأطفالا ملفوفين بالأكفان يسدون عليه الطريق...
تذكر أن الجسر الخامس الموصل إلى المطار مفتوح كما سمع في نشرة الأخبار، فاتجه إليه، حتى إذا وصل إلى نهايته وجده مغلقا، وعلى بعد أمتار منه نار حمراء كأنها الدم!!
- 4 -
أوقف السيارة، وانطلق إلى السور، ورمى بنفسه!
أفاقت زوجته مذعورة وقد كاد ينقلب عن السرير...
نظر كل منهما إلى الآخر دون أن ينبسا بكلمة.. أغمض عينيه، محاولا أن يجد سبيلا إلى النوم، من غير أحلام ثقيلة، وكوابيس مقلقة، ودم يلاحقه من مكان إلى مكان!
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء التاسع
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن