العالمة الصالحة (كريمة) مُسندة الشام وفقيهة النساء
كانت للمرأة المسلمة جهود كبيرة في رواية أحاديث النبي صلّى الله عليه وسلّم ونشرها، بل فاقت الرجل في صدق الرواية والتبليغ، ولقد مدح القاضي الشوكاني النساء المحدِّثات بالقول: «لم يُنقل عن أحد من العلماء بأنه ردّ خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سُنّة قد تلقتها الأمة بالقَبول من امرأة واحدة من الصحابة، وهذا لا ينكره مَنْ له أدنى نصيب من علم السُّنة»، وقال الحافظ الذهبي: «لم يُؤْثَر عن امرأة أنها كذبت في حديث».
وعناية المرأة بالحديث النبوي الشريف بدأت مع بداية تاريخ الحديث نفسه؛ إذ أخذته الصحابيات من فم النبي صلّى الله عليه وسلّم؛ حيث بلغ تعدادهن في مسند الإمام أحمد وحده 115 صحابية على رأسهن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، وقد رحل إليهن الطلاب من الأقطار، وأخذن من الشيوخ وأخذوا عنهن ضمن الضوابط الشرعية؛ وممن اشتُهرن في القرون الأولى من المحدِّثات: خيرة أم الحسن البصري (مولاة أم سلمة رضي الله عنهما) - زينب بنت نبيط ( زوج أنس بن مالك) - معاذة بنت عبد الله العدوية - حفصة بنت سيرين - زينب بنت سليمان الهاشمية - جمعة بنت أحمد المحمية - بِيبي بنت عبد الصمد الهرثمية - مسندة أصبهان عفيفة بنت أحمد الفارفانية.
وكريمة بنت عبد الوهاب من النساء اللاتي تميّزن في هذا المجال، ولقد ترجم لها جمهرة من العلماء، منهم: الإمام الذهبي وابن الصابوني والفاسيّ وابن حجر والسخاوي... وغيرهم. وهذه التراجم لأم الفضل تعكس مكانة المرأة في الإسلام حيث حظيت بتقدير العلماء، فترجموا لها في كتب الأعلام وموسوعات التراجم ولم يجدوا أي غضاضة أو حرج من قول: «قالت شيختي».
نَسَبها
كريمة بنت المحدِّث محمد عبد الوهاب بن علي بن الخَضر بن عبد الله بن علي. ولدت سنة 546 هـ.
عائلة محدِّثة
روى الحديث أَخَوَاها: عليّ وصفيّة، وأبوها, وعمُّها الحافظ عُمَر بْن عَلِيّ القُرَشيّ، وابنه عَبْد اللَّه بْن عُمَر.
علمها
سمعت أجزاء قليلة من أبي يعلى ابن الحبوبي، وعبد الرحمن بن أبي الحسن الداراني، وحسان بن تميم الزيات، وعليّ بن مهدي الهلالي، وعلي بن أحمد الحرستاني، وتفردت في الدنيا عنهم، وتفردت بإجازة أبي الوقت السجزي، فروت «الصحيح» غير مرة، وروت بالإجازة عن مسعود الثقفي، وأبي عبد الله الرستمي، وأبي الخير الباغبان، ورجاء بن حامد، وغيرهم...
من حدّث عنها؟
حدّث عنها خَلْق كثير، منهم: الضياء، وابن خليل، وابن هامل، وأبو العباس ابن الظاهري، وخديجة بنت غنيمة، وخطيب كَفْر بَطْنا جمال الدين الدِّينَوَري، والشرف الناسخ، والصدر الأرموي، والقاضي الحنبلي، وفاطمة بنت سُليمان، ومحمد بن يوسف الإربلي، وعيسى المطعم، وست القضاة بنت الشيرازي، وبنت عمها ست الفخر، وأخوها زين الدين عبدالرحمن.
وفاتها
ماتت ببستانها في 14 جمادى الآخرة سنة 641، عن 95 عاماً، ودُفنت في جبل قاسيون.
أقوال العلماء عنها
قال عنها الصفدي في «الوافي بالوفيات»: «الشيخة المعمَّرة مسندة الشام». وفي «الأعلام» للزِّركلي: «بنت الحَبَقْبَق كريمة بنت عبد الوهاب بن عليّ، أم الفضل، القرَشية الزُّبيرية: عالمة بالحديث والفقه، نعتها ابن العماد بمُسندة الشام».
ويقول الإمام الذهبيّ عنها: «كانت امرأة صالحة جليلة، طويلة الروح على الطَّلَبة، لا تَمَل من الرواية». وقال الحافظ المنذري بعد أن ذكر بعض شيوخها ومَن أخذ عنها: «قيل إنها حدّثت نيّفاً وستين سنة، لقيتها ببيت لهيا (بظاهر دمشق) وسمعت منها، وقد كانت أجازت لي في سنة 595، ومولدها تقديراً سنة 545 بدمشق». رحمها الله تعالى رحمة واسعة.
ولقد صدق الشاعر حين قال:
نـساءٌ غير أن لهن نفْساً
إذا همّت تسهّلت الصعابُ
فإن تَلْق البحار تَكُنْ سفيناً
وإن تَرِدِ السما فهي الشهابُ
ضعافٌ غير أنّ لهنّ رأياً
يسدّده إلى القصدِ الصوابُ
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة