العالم الربِاني الشيخ عيسى البيانوني
هو العلاّمة عيسى بن حسن بن بكري بن أحمد البيانوني، ولد في قرية "بيانون" قرب حلب سنة 1290هــ من أبوين صالحين. أحبّ العلم منذ صغره فنزل إلى حلب طالباً للعلم ملازماً لأخيه العالم الشيخ حمادة البيانوني وقد كان من علماء المدرسة العثمانية. اصطحبه أخوه رحمه الله تعالى إلى قارئ حلب الحافظ المتقن الشيخ أحمد الشهير بالحجّار فلازمه وحفظ القرآن غيباً وأتقن تجويده. ثم تعلم كتابة الخط وقد كان خطاطاً ماهراً، ثم انتقل بعد ذلك إلى تلقي العلم عن الشيوخ فكان أول ما قرأ على أخيه الشيخ حمادة البيانوني.
وبعد بلوغه الثالثة عشرة التحق بالمدرسة العثمانية وقرأ على أساتذتها وشيوخها، فقرأ علم التفسير على العالم مصطفى الهلالي، وعلم التوحيد وعلم النحو والصرف والتصوّف والفقه على الشيخ حسين الكردي، ولزم حلقة العلاّمة الكبير بشير الغزي رحمه الله تعالى واستفاد من علمه، كما قرأ على الشيخ أحمد المكتبي ألفية ابن مالك وحاشيتها للخضري وغير ذلك من الكتب.
عرف رحمه الله تعالى بالذكاء الخارق والذهن المتوقد وقد شهد له بذلك أساتذته وكل من عرفه، كما عرف بصلاحه وورعه وإخلاصه في سعيه لإصلاح مجتمعه وسرعة تأثيره على القلوب في وعظه وإرشاده. ولما زار الشيخ العلاّمة المحدث بدر الدين الحسني الدمشقي رحمه الله تعالى سرَ منه الشيخ رحمه الله حيث رأى منه الإخلاص في الوعظ والتأثير في الناس، وطلب من مدير أوقاف حلب أن يعيّنه مدرّساً للنساء فكان لهنّ منه إفادة كبيرة. أحب رحمه الله تعالى التصوّف الصحيح فعكف على قراءة كتبه حتى تعلَق قلبه بحب رجال الصوفية الصادقين رضي الله عنهم.
وأحب أن ينتسب إلى بعض طرائقهم فانتسب إلى الطريقة القادرية فأخذها عن شيخه مصطفى الهلالي واشتغل بها مدة طويلة ثم أخذ الطريقة الرفاعية ثم انتقل إلى الطريقة النقشبندية وأخذها عن شيخه محمد أبي النصر خلف الحمصي. ولذا فقد كانت جلُ مؤلفاته في هذا العلم، فألف في تهذيب النفوس وتحلّيها بالفضائل وفي بيان آداب الطريق ووظائفه وفي المحبة النبوية وبيان فضلها والحضّ عليها والحض على الإكثار من الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن مؤلفاته:"كنز الهبات في الصلاة على سيد السادات"،"تحذير الإنسان من آفات القلب واللسان"،"مواد العقل السليم في اتباع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم"،"الدروس النسائية"،"معرفة العبودية بالذكر والمحبة"، وغيرها كثير من المؤلفات التي تبلغ حوالي تسعة عشر مؤلفاً عدا الموالد النبوية التي نظمها رحمه الله تعالى.
حجَ رحمه الله تعالى عام 1362هــ وبعد ما أتم مناسك الحج مرض وقد كان هو ورفاقه يستعدّون للتوجّه إلى المدينة المنورة فركبوا السيارة وفي الطريق أصابتهم سيول جارفة أخَرت سيرهم فتحمل الشيخ رحمه الله الألم حتى وصلوا إلى المدينة المنورة فأدخل المستشفى واهتم به الأطباء اهتماماً بالغاً وبعدما أجروا له التحاليل وجدوا أنه أصيب بتسمّم في الدم والتهاب بالكليتين وبدا جسمه يذوي حتى توفي ليلة الأحد بعد العشاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة عام 1362هــ فشيَع رفاقه جثمانه وعرَفوا الناس وصلَوا ب همام الحجرة النبوية الشريفة ودفن في البقيع بين ضريح سيدنا إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الشهداء الكرام.
رحم الله الشيخ عيسى البيانوني العالم الصالح المحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وحشره مع النبي والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
***
تجدر الإشارة إلى أن هذه المعلومات عن الشيخ عيسى البيانوني مأخوذ جلُها من الكلمة التي ألقاها تلميذه البارّ العلاّمة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة طيّب الله جسده وزكّى روحه في حفل تأبين شيخه عيسى البيانوني رحمهما الله تعالى.
"إنّ الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع، وبالتالي فإنّ الموقع لا يتحمّل تبعات ما قد يتًرتب عنها قانوناً"
اكتئاب المراهقين وفنّ التعامل معه
بواعث الأمل.. بين جدران العزل
ذكريات غَزَتْني!
الإنسان كما يعرِّفه القرآن ـ الجزء الثامن
الأَكَلَةُ... والقَصْعة